فاتحة:
ألا لله ذي الفضل العظيم
نبث مشاعـــر الفقــــــد الأليـمِ
فقدنا اليوم ذا أصل وفصل
تبوأ من فؤادي في الصـــــميم
هو المذكور بالتقوى صدوق
وفي الطبـــــع ذو خلقٍ كريــــمٍ
تلاقينا على أنسٍ وفضل
وكان أباً.. وذا رأي حكــــيم
هو الأستاذ حقاً ليس زيفاً
هو الأستاذ في سين وجيم
* * *
(2) كثير هم الأساتيذ الذين تعلمنا منهم، وتتلمذنا على أيديهم، وتنامينا فكرياً على أفكارهم وبين أيديهم.. لكن يظل التفرد والأستاذية الحقيقية لواحد من أولئك الكثر.. إنه سعيد بن محمد العبيدي، أستاذي في علم القيادة والإدارة بالحب والخبرة والاحتواء، التي تعلمتها منه طيلة (عشرسنوات) كنت وكيلاً له في مدرسة الحديبية المتوسطة منذ
إنشائها وتعييني معلماً لأول عام خبرة فيها عام 1396هـ/1397هـ. وهو أول مدير لها، فقد كان وكيلاً في المدرسة السعودية المتوسطة، وتم اختياره لإدارتها!!
وطوال (عشرسنوات) وحتى العام 1406هـ/1407هـ، ومع أول عام اختارني وكيلاً للمدرسة إضافة إلى عملي مدرساً لمادة التاريخ. وبحسن ظنه واستشرافه للمستقبل، وبنظرته الثاقبة اكتشف فيَّ روح القيادة والإدارة فأحال إليَّ حقيبة الوكالة.. وكنت عند حسن الظن مشفوعاً بتوجيهاته السديدة ومعلوماته الإدارية الأكيدة وخبرته القيادية الحصيفة.
والذكريات هنا كثيرة والوقوف عندها يأخذ حيزاً كبيراً ليس مكانها هذه الورقة الرثائية، ولكني سأفرد لها مكاناً في سيرتي الذاتية التي أشتغل عليها الأن!!
* * *
(3) كان – يرحمه الله – صاحب حسٍّ إداري وقيادي، بارع في قراراته، حاذق في تصرفاته، مدرك للعواقب وناصح أمين.. ذات صيفٍ كلفني بإدارة المدرسة أثناء إجازة مديري الفاضل أستاذي سعيد العبيدي، وكان عليَّ الإشراف على عملية قبول الطلاب وتسجيلهم في الصف الأول المتوسط منتقلين من المرحلة الابتدائية، ولأن ظروف المدارس آنذاك ضعيفة وتفتقد إلى تأمين المقاعد والكراسي وكان علينا حث الآباء وأولياء الأمور الراغبين في التسجيل أن يساهموا في تأمين هذه المقاعد وبأسلوب سري ومقبول وهذا ديدن كثير من المدارس يومذاك، ولكني بشجاعة إدارية وتعنت قيادي أعلنت ذلك جهراً ودون مواربة وكتبت إعلاناً وعلقته على مدخل المدرسة، ووصلت إليه الأخبار فجاءني زائراً وحذرني أن هذا إجراء إداري غير صحيح وعواقبه وخيمة!! ولكني (ركبت راسي) وقلت له أنا المدير وأنت في إجازة وأنا أتحمل العواقب!! وصدق حدسه (رحمه الله) فقد جاء من يصور الإعلان ويشتكيني في إدارة التعليم بجدة وعلى الوزارة في الرياض.. فكانت الطامَّة الإدارية/ تحقيقات، وإنذارات، وخطابات لفت نظر أن ما قمت به إجراء إداري غير صحيح!!وكان قد حذرني منه ولم أستوعب الدرس إلا متأخراً….
رحم الله سعيد العبيدي/ القائد/ المستنير!! الذي حفزني وشجعني لأتنامى وظيفياً وإدارياً فمن وكالة الحديبية المتوسطة إلى إدارة عمرو بن الجموح المتوسطة ثم إدارة جرير الثانوية ثم مشرفاً للإدارة المدرسية وما تلاها من أعمال قيادية حتى حان وقت التقاعد عام 1435هـ.
* * *
(4) والأستاذ سعيد العبيدي (يرحمه الله)، لم يكن معلماً ومربياً وقائداً فقط، ولكنه رجل المجتمع والمواطنة، رجل الخير والإصلاح، رجل القلم والكتابة، كان يقرأ كل ما تنشره الصحافة لي وما أهديه من كتب ودواوين شعرية، وكان يشيد بما يقرأ، ويتصل بي محاوراً ومناقشاً. لم يكتف (يرحمه الله) بالقراءة والتزود المعرفي فقط، ولكنه كان يكتب في الشأن العام وينشر ما يكتب في الصحافة المحلية. قرأت له مقالة اجتماعية نشرها في عكاظ يوم السبت 23/4/1438هـ، وفيها ينتقد المسؤولين عن الصرف الصحي ويطالب بالاهتمام بحي النسيم بجدة الذي يشكو من هذه المشكلة التنموية، ويختم مقاله بلغة صحفية/ لغوية/ اجتماعية، إذ يقول: “فالبدار البدار فإن السكان ينتظرون من ينقذهم من هذا الوضع المزري الذي أزعجهم وأقلق راحتهم”!!
رحم الله الأستاذ/ الذي لم يتوان في رفع احتياجات الحيِّ إلى المسؤولين، ولعلهم استجابوا للنداء!!
* * *
(5) لم تنقطع علاقاتي مع أستاذي الكريم، فطوال المدة السابقة لوفاته كنت أتصل عليه، وأزوره في داره العامرة وأسأل عنه أولاده الشيخ سعود والشيخ سعد والمهندس باسم والآخرون!!
كتبت عنه إشارة مهمة في كتابي (باقات ورد إلى التعليم في جدة) مشيداً بقيادته الإدارية، وعصاميته المبكرة وروحه الأخوية، وتجلياته القيادية.
ولما ضعف حاله وزادت أمراضه وصعبت زياراته كتبت عنه قصيدة شعرية جاء فيها:
اسم على وسم السعادة والرضا
شــــهدت لـه دور التعــلـــــم إنـه
وإذا تحـدث ســوف يـأتي بالمـنى
رجــل من الجيــل العصــامي دأبه
خــــــلٌّ وفــيٌّ زاد فــــي محبــــةً
|
|
ينبـوع عطف فائق الإجمــاع
في قولة الإنصــاف خير يراع
متوسلاً بالفكر والإشعــــــاع
جهـــد التقيِّ وروعة الإمتـاع
وازددت فيه تعلقاً ومسـاعي
|
وما هي إلا أيام….ويأخذ الله أمانته ،ففي صباح يوم الخميس ١٤٤٥/٥/١٦هـ وبعد صلاة الفجر يتصل بي ابنه الأخ سعد ليخبرنى بالنبأ….الوالد مات والدفن في مقابر الفيصلية بعد صلاة الظهر وليس هناك عزاء سوى في المقبرة…..نزل علي الخبر كالصاعقة فحوقلت واسترجعت ورتبت أموري لأكون أول الشاهدين لجنازة أستاذي ورفيق دربي يرحمه الله .
وهكذا يغادر أستاذي هذه الدار الفانية وكلنا كذلك لابد راحلون….رحم الله الأستاذ سعيد العبيدي وأسكنه فسيح الجنات لقاء ما قدم لمجتمعه ووطنه وأمته تعليمياً وتربوياً واجتماعياً، وبارك الله في عقبه وذريته، فقد خلَّف رجالاً يحملون إرثه وتاريخه، ربَّاهم على التقى والدين وخدمة المجتمع وهاهم في أعمالهم القيادية والتربوية والمجتمعية منارات مضيئة من سنا والدهم الأستاذ!! أستاذي الذي أعتز بذكره والدعاء له وأترحم عليه.
والحمد لله رب العالمين.
عصر الأحد
1445/6/4هـ
مقالات سابقة للكاتب