مهما حاول الإنسان تجاهل مشاعرٍ ما تراوده بين الفيّنة والأخرى؛ فإنه قد لا يفلح في أغلب الأحوال؛ ذلك أن المشاعر لديها القدرة على التَّسرُّب من بين أصابع حرْصنا على كبْتها، ولها القوة أيضاً في التسلل من بين شقوق أوقات مزْحنا وجدْنا.
فالمشاعر عادةً تتزاحم في التعبير عن كينونتها، لكنها لن تكون في نفس القوة والشجاعة للظهور على مسرح يومك إلَّا ما تعمّقت داخلك، ولامست شغافك.
فتكون المشاعر قويةً صادقة عندما تمتلك القدرة على إخراج ما في باطن أرضك، فإمَّا تُحِيِّل أرضك إلى رابيةٍ غنَّاء، أو تُصيِّرها أشواكاً تُدْمي قلبك قبل قدميك.
في حين تكون المشاعر أقرب إلى الزيف والكذب؛ حينما تجد نفسك تقدم تبريراً منطقياً لعاطفةٍ محددةٍ، بل وتخبر نفسك عن وظيفة تلك العاطفة المفيدة لك، وتذهب إلى أكثر من ذلك عندما تبرر لنفسك أحقيتك في تصديقها وتبنيّها، وقد يصل الأمر إلى مَيْل المشاعر نفسها -التي تحاول التَّخلّي عنها- إلى تبرير بقائها.
فالمشاعر تكذب عندما تبلغنا أننا سنحصل عبر التخلّي عنها ما نحصل عليه من خلال التمسُّك بها.
وهذه كلها إشارات تؤكد أنك تلقيت حزمةً من الأكاذيب، واستقبلتها على محمل الصدق؛ لأنها وافقت داخلك تجربة عاطفية لم تكتمل.
فهذه التجارب المشحونة عاطفياً، أو غير المكتملة هي مثل الملفات التي تُترك مفتوحة وتعمل في خلفية حياتنا، فهي تشغل الكثير من مساحة ذاكراتنا المتاحة.
وتسبب هذه الملفات المفتوحة الكثير من فقْدنا للعمل بفاعلية في الحياة، بل تخلق داخلنا اضطراباً ذهنياً؛ لأنها ترسل لنا رسائل متناقضة، وتتداخل مع بعضها البعض ومع غاياتنا الواعية.
ويمكن لنا الخروج من الوقوع في شَرك هذه المشاعر عبر المسارعة الواعية في عملية التَّحرُّر من تلك الشحنات العاطفية التي تحتفظ بالملفات المفتوحة التي تُطلُّ برأسها في خلفية أيامنا، والتعامل معها بوعيٍّ محضّ؛ وبهذا يمكننا المحافظة على الحكمة المكتسبة من تلك التجارب دون استنزاف طاقاتنا وذاكرتنا التي قد تتأكل من قبل الشعور العاطفي بعدم الاكتمال.
سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي