في لحظةٍ معينة قد يدرك الإنسان أن سنوات عمره تَسرَّبتْ من بين يديه بعد أن وصل سن الخمسين، أو كان قاب سنتين أو أدنى منها.
ولعلَّه يكون في حالةٍ من الذهول والدهشة؛ كيف مضتْ كل تلك السنوات؟
حينها يبدأ في لمْلَمْة شتات فكره، وتجميع أشلاء عمره؛ في سبيل أن يعيش ما تبقى له من السنين بسلامٍ وهناء.
يمرُّ عليه شريط الحياة التي مضتْ، من أحداثٍ متعاقبة، وأناسٍ بعضهم مرَّ مرور الكرام، والآخر استقر بسلام، وآخرين أحدثوا بأيامه جرحاً غائراً.
ولعلَّ نبيُّ الخمسين عاماً يُبلّغُه رسالةً مفادها:
أنتَ الذي كنتَ تريد أنْ تُمهّدَ الأرض للمودة، فشلتَ في أنْ تكون ودوداً.
وحتى يمكن لنا الاستمتاع بالعمر بعد أن تجاوزنا الخمسين؛ علينا التخلُّص من الحمولة الزائدة التي أثقلتْ كاهل مطية سنواتنا الماضية، والاكتفاء بصاعٍ من قناعةٍ ورضا نتزود به لما بقي من حياتنا.
في المقابل، علينا إدراك حقيقة أنَّ الماضي ليس بحاجة إلى إصلاح، بقدر حاجته إلى تصالُّح معه.
وحتى لا نحمل معنا حمولة ألم الخمسين عاماً، ونتمكن من إنقاذ ما تبقى من سنوات العمر؛ علينا منْح الحُبَّ لسنوات عمرنا القادمة، وأنْ نعمل على محبتها والاهتمام بها، والاستفادة من خبراتنا الماضية، وأنْ نُدرك قيمة وفضْل الناس الذين منحوا حياتنا بهاءً، وكسوا أيامنا جمالاً، وزيّنوا ليالي العمر بقناديل أرواحهم، وأنْ نمنحهم الاهتمام الكبير، والتقدير الذي يليق بمنزلتهم، وأنْ نعمل على حمْل أنفسنا على مسامحة كل من كَدَّر صفو أيامنا، ونكَّدَ على أطفال ليالينا وقت مزاحهم ولهوهم، ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، إيماناً بالأجر والمثوبة من الله عزَّ وجل، وأنَّ من تمام مروءة الإنسان ألَّا يستكمل حقه كاملاً.
سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي