الكتابةُ عمليةٌ مُعقدة في ذاتها، مُبْهِرةٌ فيما بعدها، وهي في ذات الوقت قدرةٌ على تصوُّر الأفكار، ثم تصويرها في هيئة حروفٍ وكلماتٍ، وتراكيب صحيحة.
في حين أنَّها من ناحيةٍ أخرى هي فنُّ اختراق العقول الأخرى بالأشكال والصور التي تسكن عقلك، وتحتلُّ ذهنك.
وهذه الكتابة هي ذاتها التي قد تقذف بك بعيداً إلى مكانٍ مجهول لم تذهب إليه من قبل، وفي المقابل تلامس أنامل حروفها تجاويف روحك، وتسكن كلماتها مكاناً قصيّاً من الروح.
وهي على هذا النحو تتشكّلُ صوتاً خفيّاً في ملكوت الروح والنفس.
فأنت تذهب إلى الكتابة مُثْخَناً بالجراح؛ وتعود منها بغير الحال الذي ذهبت به.
فهل بلغنا نبوءة الكتابة، أم أننا لا نزال نتهجَّى كتابها المقدس؟
فالكتابة وعيٌّ، وقليلٌ بالغة، والقراءةُ إدْراكٌ، وكثيرٌ جاهله.
وهي بهذا الفهْم العميق تُعدُّ حالة متقدمة من حالات الوعي الإنساني التي قد نبلغها عبر مطية الكتابة.
فالكتابة تمتلكُ القدرةَ على نَبْش كوامنك، وتزودك بالشجاعة الكافية التي تجعلك أنت بكل صوابك وخطأك.
أيها الناس، اكتبوا حتى يبلغ الحرف محله.
وكما قال ذلك البدوي في وصيته:
وأنت في محراب الكتابة ..
كُنْ ..
طاهراً، مُتطهِراً، مُتطهَراً.
كُنْ ..
وحيداً مع جميعهم، وجميعاً لوحيدهم.
كُنْ ..
مُتَفرِّداً عنهم، وتتكلم بلسانهم.
كُنْ ..
أعزلاً من فكرك، ومُفكِّراً مُتدبِّراً في عزلتك.
كُنْ ..
كُلَّ أحلامهم وأنت تُفَتّشُّ عن حلمك.
كُنْ ..
كبيرهم الذي يحنو على صغيرهم.
كُنْ ..
صغيرهم الذي بلغ أشُدّه وهو في مهد الحياة.
كُنْ ..
سندهم وأمانهم إذا تتداعى جدار قلب أمانهم.
كُنْ ..
إنساناً ينطق به السطر، وحرفاً في إنسانية السطر.
سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي