المعرفة والذاكرة، الاهتمام بالمخ وقدرته وأساليب تحفيزه وكيفية تمرير الإشارات إليه كل ذلك رحلة ذات قياسات ودقة مخيفة ومحفزة وثرية بالمعرفة.
المعرفة، تلك الرغبة التي حركت الانسان وجعلته يتكيف مع الحياة عبر الكلمة التي جعلته يشعر بإنسانيته وأهمية وجوده فكانت الكلمات هي من ميزت الانسان عن مختلف المخلوقات حيث استخدمها في التخاطب والتعلم والتفكير والابداع والتخيل والرسم والتخطيط وجميع ذلك وأكثر هي العمليات في الحياة.
إذاً الحياة ما هي إلاّ كلمات وحتى يثري الإنسان كنزه من الكلمات كان لابد أن يتصادق مع المعرفة وحتى يتم له ذلك كان لابد أن يقرأ عبر ثمانية عشر حرفاً كانت كالسهام تنفذ إلى المعاني والفهم والإدراك؛ فكانت أفضل وسيلة للقضاء على الجهل بكل أنواعه.
الكلمة خاطبت مثلث الإنسان العقل والقلب والعين فنتج عن ذلك حضارات وأفكار وهمم وقيم ومبادئ وعلوم الوراثة وعالم الأعصاب ونواحي الطب وأسطر الهندسة وهيبة المال وميزان القانون وقدراً هائلاً من المعلومات فقط بالمعرفة عبر الكلمة وصلنا لها وتمكنا منها.
وبالكلمة كان التاريخ كالبحر المتلاطم أمواجه، يقص علينا القصص ويسرد لنا الحكايات، خيارات متعددة ظهرت للإنسان بسبب الكلمة رفعت قوى وكتبت ملاحم، أصبح الكتاب مجمع مبدع للحروف والكلمات ووسيلة لنقل الفكرة بين العقول مختلفة الأثر بحسب القوة والأسلوب.
الكثير من الكتّاب – منذ بدأ الكتابة واللغة والتخاطب بين الأمم – اتفقوا ومازالوا على أن الكون الذي خالقه الله سبحانه هو أقدم الكتب وأعمقها وأكثرها دعوة للمعرفة.
لذلك كان القلم باستقلاليته وبكل معانيه آية وعلامة يسمو بالأرواح ويعلم الناس وينقل لهم المعرفة بعمق مما جعلنا نجتهد والجهد في حد ذاته وبطبعه يوسع حدود قدراتنا ويثبت لنا أن القدرة العقلية غير ثابتة بل طوع التشكيل الذي نمارسه لنموه.
إتقان القدرة على التعلم سيدخلنا إلى مضمار المعرفة وهو عالم مثير حيث التعلم بالبدن عبر الأصابع والقلم، وسماعياً بالصوت وبصرياً من المشاهدات وذهنياً بالتفكير والابداع والخيال.
تظل الكلمات والمعرفة الركائز الأساسية التي تشكل جوهر الوعي الإنساني وتحفز على النمو الذهني والروحي، عبر التاريخ أثبتت الكلمات قوتها في تحويل الأفكار إلى واقع، وتشكيل المجتمعات وإثراء الحضارات.
ثم إن هذه الرحلة المذهلة في عالم الكلمات والمعرفة تدعونا باستمرار إلى استكشاف ذواتنا والعالم من حولنا بفضول لا ينتهي وشغف لا يخبو، ولنتذكر دائماً أن كل كلمة نتعلمها وكل معلومة نكتسبها تقودنا خطوة واحدة إلى الأمام نحو فهم أعمق للحياة وإمكاناتنا غير المحدودة.
لذا لعل من المنصف أن نواصل التزود بالكلمات والمعرفة لنجعل من عالمنا مكانًا أفضل.
عبدالله عمر باوشخه
مقالات سابقة للكاتب