يظل الانسان رهين أفكاره ومعتقداته وخبراته وتجاربه الى أن يجد الحكمة عندها تتغير بوصلة حياته وقد تصل درجة التغير الى 180 درجة وهذا يعني تغير كلي قد يلامس القيم والمبادئ وكل المؤثرات عليه.
وواقع الأمر يقول إن تطبيق الرياضيات والهندسة في الحياة الاجتماعية يقدم أدوات تحليل قوية يمكن أن تساعد في تفسير وفهم العلاقات الاجتماعية والأنماط السلوكية بشكل أعمق وأكثر دقة.
وهو أمر ثري بالمعلومات والنتائج ومثير للاهتمام، وقد تم استكشافه في مجموعة متنوعة من الحقول الأكاديمية مثل علم الاجتماع، علم النفس، وحتى في الدراسات الثقافية.
هذه النوعية من التحليلات توفر أدوات فكرية لفهم الأنماط والبنى التي تظهر في التفاعلات الاجتماعية.
فمثلاً في نماذج التواصل فإن استخدام الهندسة هو لفهم كيفية توزيع الأفراد في مساحة معينة مثل قاعة المحاضرات أو الفصل الدراسي أو مساحات بمقر العمل يمكن أن يساعد في تحليل ديناميكيات التواصل والتفاعل الاجتماعي، وقس على ذلك في نظرية الشبكات فهي استخدام للنموذج الرياضي لتحليل العلاقات بين الأفراد في مجتمعات مختلفة لفهم كيف تؤثر الأنماط المعقدة في السلوكيات والاتجاهات، كما أن في دراسة التناغم في العلاقات الاجتماعية يستخدم التوازن والنسبة لفهم كيف يمكن للعلاقات الاجتماعية أن تكون متوازنة أو تفتقر إلى التوازن مما يؤثر على صحتها واستقرارها.
لذا من الطبيعي أن تكون الأشكال الهندسية مثل المثلث، المربع، الدائرة والمستطيل أدوات رمزية قوية في تفسير وفهم جوانب مختلفة من حياة الإنسان.
حيث أن هذه الأشكال لا تُستخدم فقط في الرياضيات والفن بل أيضًا في الفلسفة، العلوم الكونية والتنمية الشخصية فكل شكل من هذه الأشكال يمكن أن يرمز إلى مفاهيم وأفكار معينة:
فالمثلث يُعتبر المثلث رمزًا للتوازن والتغيير فهو يُشير غالبًا إلى العلاقة بين الجسد، العقل والروح وكذلك يمكن أن يمثل الثلاثية مثل الوالدين والطفل، أو الأفكار، الكلمات والأفعال. إنه يُعبر عن القوة لأنه الشكل الهندسي الأبسط الذي يمكن أن يقف بثبات.
كما يُعبر المربع عن الاستقرار والتنظيم ويُستخدم غالبًا في الاعتمادية والصدق كما يمكن أن يشير أيضًا إلى الراحة والأمان كما في “التفكير داخل الصندوق”.
ولعل الدائرة تُعتبر رمزًا للتكامل والشمولية فلا توجد بداية أو نهاية للدائرة، مما يجعلها مثالاً للتكرار المستمر.
أما المستطيل فغالبًا ما يُشاهد كمزيج بين المربع والدائرة، يجمع بين استقرار المربع والديناميكية المرنة للدائرة يمكن أن يرمز المستطيل إلى النمو والتطور، حيث أن أطوال جوانبه المختلفة تُظهر الاتجاه والتوسع.
إذاً في السياقات العملية لحياة الإنسان يمكن استخدام الأشكال الهندسية والرموز الرياضية لفهم وتنظيم المساحات، تحليل العلاقات الديناميكية وحتى في التفكير الاستراتيجي واتخاذ القرارات، إنها توفر إطارًا لتجريد وتفسير التفاعلات الإنسانية والعالم من حولنا، مما يساعد على إيجاد توازن نفسي على أقل تقدير.
عند التركيز على أهمية الدوائر المحيطة بالإنسان في مستقبله والدور الأساسي الذي تلعبه في تطوره الشخصي، العاطفي، المهني والاجتماعي نجد أن كل دائرة لها تأثير محدد ولكن مترابط مع الآخرين، فالدائرة الشخصية أو الفردية تؤثر بشكل مباشر على الصحة النفسية والجسدية للفرد والتطور الذاتي والاعتناء بالنفس فيحسّن من الثقة ويزيد من الإنتاجية والرضا العام عن الحياة.
كما الدائرة الأسرية توفر الأساس للدعم العاطفي والمالي فالعلاقات الأسرية الصحية تسهم في تكوين شخصية متوازنة وتعزز من قدرة الفرد على مواجهة التحديات الحياتية.
في حين أن الدائرة الاجتماعية تلعب دوراً كبيراً في توفير فرص للتواصل وتبادل الأفكار وكذلك الحصول على دعم ومساندة في الأوقات الصعبة ثم إن الدائرة المهنية تؤثر بشكل مباشر على التقدم الوظيفي والاستقرار المالي كما تعزز الدائرة المجتمعية والثقافية من فهم الفرد لهويته الثقافية وتوفر شعورًا بالانتماء، ولعل الدائرة العالمية حيث الوعي باهتمامات العالم والتفاعل معها يمكن أن يوفر فرصًا للتأثير والمشاركة في الإنتاج والاختراع والابتكار لخدمة الانسان أينما كان.
إن مفهوم “لغة الدوائر” الذي أطرحه هنا وسبق أن أهتم به عدد من العلماء والكتّاب يعتبر توسعًا في فهمنا لكيفية التأثير المتبادل بين البيئات الاجتماعية المختلفة والفرد.
تمامًا كما تنقل لغة الجسد الأفكار والمشاعر بطريقة غير لفظية، يمكن لـ “لغة الدوائر” أن تمثل طريقة تفاعلنا وسلوكنا وتطور علاقاتنا.
دائماً ما نؤكد على أن الربط بين العلوم وأدواتها أصبح أمراً حتمياً في عالم يتصف بالقرية الصغير أليس هذا واقع نعيشه في كل تفاصيل الحياة!
إن ما يثير الانتباه في الوقت الراهن مصطلح “دائرة الراحة” والذي يُستخدم لوصف المنطقة أو الظروف التي يشعر فيها الانسان بالأمان والاطمئنان، حيث لا يتعرض لضغوطات كبيرة أو تحديات تتطلب منه الخروج من نطاق تجاربه العادية، وأرها عجلة تمنع الانسان من النمو واكتساب مهارات جديدة أو خوض تجارب مفيدة لذلك شجع من حولك على “الخروج من دائرة الراحة” لتحقيق النمو الشخصي والمهني وعدم انتظار الفرص فهي لا تأتي بل تحتاج إلى سعي وبحث حتى تحقق أهدافك وتستكشف ما لديك من قدرات تجعلك تشعر بالرضا عبر الإنجاز.
عبدالله عمر باوشخه
مقالات سابقة للكاتب