فجاءةً الموت يتسلّلُ خِلّسةً إلى أبهى لحظاتنا عبر الشقوق الصغيرة؛ لينفذ إلى خاصرة تلك اللحظات؛ نافثاً سُمّه الزُّعاف، ويسري قابضاً على كل أوردة الحياة.
هكذا كان حال لسان صغاره الأبرياء بعد موته رحمه الله رحمةً واسعة يوم الثلاثاء الماضي.
هو سامرٌ أقام بيننا سامراً لا ينّفضّْ برحيله.
فصغاره الأبرياء يحملون بِضْعاً من روحه، وينطقون بأبجدية حياته، ويتكلمون بحروف نُبْل معانيه، ويتوشَّحون بسمو خلقه.
كان يُطْعم صغاره معنى الحياة، وأنها ربما تكون قاسية كبُعد مسافة يوم القيامة، وربما تكون رحيمة كشهقة الموت.
رحل الذي علَّمنا -عبر صغاره- قيمة أن نرى ثمرة أعمالنا ونحن أحياء في صورة أبرياء شرعوا للتو في مصافحة الحياة في سنواتهم الأولى.
ففي كل صباحٍ كان يتأنّق في إظهار بهاء روحه، ونقاء سريرته، مادّاً يديه لهم؛ لِيُلّهِم صغاره الطريقة المثلى لعيْش الحياة.
كان يكتب لصغاره في كراساتهم، يُصوُّبُ لهم ما أعْوجَّ من خطوط أقلامهم، يرسم لهم طريق الحياة، ويُمسكُ بأناملهم الغضّة، ويعلمهم كيف يتهجّون حروف حياتهم؛ ولِيُفَقْهنا فَنّ الحياة، ويقول لنا:
لماذا لا نجعل الخير يعبر فوق أجسادنا؟ فكل الخير أن تسقط أجسادنا؛ لينهض صغارنا في فصول الحياة، ويركضون في ممرات مستقبلهم.
كان كثير الكتابة على صفحات صغاره؛ وكأنَّه يكتب لنا عبر كراساتهم:
مادام الموت هو الوجهة الوحيدة التي ستسلك سبيلها في نهاية المطاف؛ فمن الأفضل أن يكون موتك عُرْساً يفتح نوافذ الإلهام للناس؛ كي يمدوا قاماتهم وهم يسيرون بك صوب قبرك، ويشتاقون لاجترار سيرتك حينما تظلم الطرقات.
رَحَلَ الذي كتب لنا في كراسات صغاره: اغمضْ عينيكَ عن الموت؛ لِترى الحياة، لكن الموت عاجله، وأغمضَ عينيه قبل أن يرى الحياة.
غفر الله له وأسكنه الفردوس الأعلى، وجبر مصاب أهله وصغاره الأبرياء.
ولا حول ولا قوة إِلَّا بالله.
* سامر مرزوق الصحفي.
* معلم الصفوف الأولية في ابتدائية موسى بن نصير بغران.
* وهو ابن الشيخ مرزوق بن ماضي الصحفي.
سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي