العقل قبل المزاج!

إذا كنت تقف عالقاً في زحامٍ كبير من السيارات في الطريق وأنت ذاهب إلى وجهتك؛ فمن الممكن أن تقول لنفسك: سوف أتأخر بعض الوقت، لكن عليّ أن أكون هادئاً ولا أتذمر؛ فإنه من المحتمل أن تشعر بالهدوء، ويظل جسمك مسترخياً ولا تصاب بالتوتر. وربما تقول لنفسك: يجب ألَّا يكون الزحام بهذه الصورة البشعة كل يوم، وعلى المعنيين سرعة معالجة الأمر؛ فقد تشعر بالتوتر، وتخلق داخلك المزيد من التذمر؛ وتشعر أن جسمك أصبح مشدوداً، وتظل وقتاً طويلاً في حالة من التشكي والتذمر.
يقول دكتور دينيس جرينبرجر في كتابه العقل قبل المزاج:
“إن أفكارنا تجاه حدثٍ ما يؤثر بصورة مباشرة في استجابتنا العاطفية، والسلوكية، والبدنية تجاهه”
وهذا يبين أهمية الوعي بتحديد وفهْم الروابط بين أفكارنا، وحالتنا المزاجية، وسلوكياتنا، واستجابتنا البدنية في المواقف اليومية.
كذلك يبين أهمية اكتساب المهارات اللازمة لتغيير أنماط تفكيرنا، وسلوكياتنا التي تُبْقيِّنا عالقين في الحالات المزاجية، والعلاقات المؤلمة.
فعندما نريد أن نشعر بتحسن؛ فإن أفكارنا عادةً ما تمثل المكان المناسب الذي نبدأ منه.
فالأفكار تساعد على تحديد الحالة المزاجية التي تنتابنا في موقفٍ بعينه، وبمجرد وجود حالة مزاجية عادةً؛ نبدأ في التفكير في أفكار إضافية تدعم الحالة المزاجية وتعززها.
فعندما نشعر بحالات مزاجية حادة؛ تزيد احتمالية أننا نُشوُّه، أو نُسقط، أو نتجاهل المعلومات التي تناقض صدق حالاتنا المزاجية وقناعاتنا.
وبالرغم من أن أفكارنا تؤثر على حالاتنا المزاجية، وسلوكنا، واستجاباتنا البدنية، فإن التفكير الإيجابي ليس هو الحل لمشكلات الحياة، ولكن النظر إلى حدثٍ ما من جميع الجوانب، والتفكير في جملة من المعلومات الإيجابية، والسلبية، والمحايدة من الممكن أن يؤدي إلى طرق أكثر نجاعة لفهم الحدث، ووضع حلول للصعوبات التي يمكن تواجهنا.
ومثال ذلك، الطالب الذي يعاني من خوف كبير من دخول الاختبار، فإن مجرد التفكير في أفكار إيجابية؛ لن يمنحه فرصةً لتجاوز ذلك الخوف، ولكن توقعه أنه سيشعر بالخوف، وأن لديه القدرة على طريقة تكيُّفه مع هذا الخوف؛ سيزوده بالطاقة اللازمة للتعامل معه بصورة جيدة.
ونتيجةً لذلك؛ فإن جزءاً من التعامل مع الخوف قد يتمثل في تقبّل خوفك (تحول إدراكي)، وتعلُّم الاسترخاء (تغيير بدني)، والاقتراب والتعرف على ما يثير مخاوفك؛ حتى تتعلم التكيُّف معه (تغيير سلوكي).
في المقابل، نجد أن بعض المواقف لا يجدي معها مجرد التفكير بصورة مختلفة، ولكن الحل هو إجراء تغييرات في محيط بيئتك، ومواقفك الحياتية، ومثال ذلك، من يتعرض للإيذاء، يحتاج إلى المساعدة، إما للتغيير، أو ترك الموقف؛ فهنا مجرد تغيير الأفكار للسماح بتقبُّل الإيذاء ليس حلاً، فالهدف هو إيقافه.

سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *