قيامة الأحداث!

لا تخلو الحياة من ثمَّة منغصات تُطلُّ علينا برأسها الكريه بين الفينة والأخرى؛ لتفسد لحظاتنا الهانئة،وتُكدّر صفو أيامنا.
ويأتي على رأس تلك المنغصات، وجود مَنْ يناصبك العداء، ويقذف صوب أرض بلادك قنابل الكراهية.
فالكراهية رأس الداء في العلاقات الإنسانية، وسلاحٌ فتَّاك في تقْليّم براعم الحياة.
ذلك أن الكراهية تهوي بنا في جُبٍّ سحيق من الحروب والصراعات الطاحنة.
وهي في المقابل كائنٌ يُمكنه التَّخفي والتواري، لكنه لا يلبث أن يظهر عبر لغة الحقد، فالكراهية تُبْعثُ بَعْثاً؛ عندما تقوم قيامة الأحداث التي يعيشها الإنسان في ماضيه وحاضره.
فالإنسان الذي يمتلئ قلبه كراهيةً يكتم كلاماً يدفع بعضه بعضاً للخروج إلى ساحة الوغى.
وفي غمرة تلك الكراهية التي ران على قلوب علاقاتنا الإنسانية سوء أفعالنا؛ ينسى الإنسان الكارِه أنَّ قوة أي إنسان تكون في تسامحه، وهي قوةٌ لا يبلغها القلب المعطوب الذي يتبع هوى نفسه، ويجري وراء ملذات أناته.
كما يغيب عنه أن التسامح له سعة عظيمة تَجبُّ ما قبل وما بعد الأذى الذي لَحِقَ به، وأنَّ كُلّ إنسانٍ على صواب إنْ كنت في مكانه وظرفه، وأن المسامحة تبدأ حين تدرك أنه لا هدف من الكراهية سوى أنها تقوي الإحساس الزائف بالذات.
‏والإدراك هنا فعل تحرُّر.
‏فالأنا دائماً تُشّعر صاحبها أنه على حق.
‏وما قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: “اذهبوا فأنتم الطلقاء” إلَّا طريقة لإفشال إحدى البُنى الأنوية الأساسية في العقل البشري.
ويمكن للإنسان أنْ يستدرك من أمره في العلاقات الإنسانية، فإذا كان وجود من يناصبك العداء مِنْ الأقارب يتعارض مع مبادئك؛ فلا تجعلهم أعداء؛ وذلك لثلاثة أسباب:
أولها: أن الغضب الذي يقف خلف تلك العداوة هو كنزك في الأصل؛ فلا تبذله على عدو.
فالغضب الذي يحمي فضيلةً، ويقي محارماً؛ يكون عزيزاً، فلا تفقده.
وتذكّرْ أن غضبك هذا هو الذي أنضجك، وسواك؛ فتريّثْ، ولا تعجلْ بك الكراهية بدولابها الذي لا يفتأ يطحن كل بذرة خير فيك.
ثانيها: إذا كان قصدك في علاقاتك مراعاة حدود الله، وحفْظُ الود؛ فلن تخذلك اتجاهات القدر الأربعة ما دامت بوصلة روحك تتجه إلى الله عزَّ وجل.
ثالثها: أن عالمنا يعُجُّ بالأشرار والحمقى؛ فلا تجعلهم يقتربون من بلادك، ولا تجعلهم يعبثون بأرض سلامك.
ولتدرك جيداً بأن الإنسان بحاجة إلى رحْمٍ دائم يُذكره ببراءة طفولته، ولا يوجد أنقى من التسامح الذي يُعيّد الإنسان إلى رحمه الأول.

سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *