أغلبنا سمِع العبارة الشهيرة في الأفلام المصرية:
“سَلِّمْ نفسك .. المكان كله محاصر”
يمكن لنا ترميز هذه العبارة، ومحاولة توسيع مفهومها الدلالي، وما ترمز إليه خارج أسوار النَّصّ المكتوب، والقفز بأذهاننا فوق حاجز سيناريو المشهد، وذلك من خلال محاولة إسقاطه على مشهد كامل لحياتنا، عبر محاصرة أنفسنا أولاً، ثم محاصرة الظروف الصعبة التي نواجهها، وطبيعة واقعنا الذي نعيشه بكل واقعية وموضوعية.
فعندما يفتقر الإنسان إلى بصيرة هذه المواجهة؛ يكون راضياً عن نفسه، لكنه يُبْغض ظروف حياته وأوضاعها.
ينتابه هذا الشعور دون أن يدرك أن سبب استيائه لا يكمن في حالةٍ ما، أو شخصٍ ما،بل في صميم نفسه التي يحبها دون وعي وبصيرة، ولقصور إدراكه وفهمه حقيقة أن الإنسان يحاصر نفسه بصورته الحقيقية، وأنه -في نهاية الأمر- لا يرى سوى حقيقته التي رسمها لنفسه.
فحكايتنا ليست أكثر الحكايات جمالاً ومدعاةً للتفاخر دائماً، ولكنها -على أية حال- هي الحكاية التي صغناها، والحكاية التي رددناها، وسوف نستمر في ترديد نشيدها، ولكن أغلبنا لا يعترف بتلك الحقيقة.
ولعلنا بحاجة إلى أن نتخلّق بفضيلة الشجاعة الواعية في مواجهة أنفسنا، ومحاولة تحييد الظروف والعوامل الخارجية قدر المستطاع.
فعلى الإنسان تحمُّل مسؤولية حياته، ومواجهة تحدياته، وتطوير مهاراته باستمرار، في الوقت الذي لا يقارن نفسه مع الآخرين؛ حتى لا يحمّلها فوق طاقتها، فالله عزَّ وجلّ خلقنا مختلفين في المزايا والقدرات.
ومعرفتنا بحدودنا ومواهبنا؛ يمنحنا الواقعية في تحديد أهدافنا، ويجعلنا أكثر رحمةً بأنفسنا؛ فلا نطلب منها ما يفوقها، وتزودنا بالأدوات اللازمة لمواجهة معارك الحياة.
هذه المعرفة الواعية تُعدُّ إحدى أهم أدواتنا في الحياة.
إن الإنسان يصبح سيد نفسه عندما يدرك هذه العبارة:
”أنا مسؤول كلياً عن كل ما يحصل لي في جميع الظروف”
فرأس الشجاعة أنْ يتحمل الإنسان مسؤوليةَ حياته مسؤوليةً كاملة، وليس فقط بمحاصرة ظروفه الخارجية، بل أولاً بمحاصرة اختياراته أيضاً التي شكَّلتْ صورة حياته.
سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي