الموت والعشاء الأخير!

يبدو أن الموت يعيش على فناء حياتنا.
يُصاحبنا، ويلازمنا كقرينٍ نزهد في صحبته، ويُطْعمُ صغاره على قضّ مضاجع أمانينا.
إنه يقتات على أجزاء من أجسادنا.
ونشعر أنَّ ثَمَّةَ عظيمٍ تهاوى داخلنا؛ فتسقط أرواحنا مغْشيّةً عليها،ولا تُفيّق إِلّا بعد أن يسمع فقيدنا طَرْق نعالنا.
الموت يُحيِّل أرواحنا إلى مخلوقاتٍ تنتظر موعداً طروباً يعجُّ بفتنة الحياة، لكنه يفجع أرواحنا بوجبة العشاء الأخير.
مع كل موتٍ؛ نحن نتلاشى دون أن نشعر،
فنحن لا نموت دفعةً واحدة؛ فكل ما فقدنا عزيزاً؛ فقدنا معه دَفْقاً قوياً يمنح أجنحة أرواحنا القوةَ لمعانقة عنان آمالنا، وهكذا نخرُّ صرّعى في نهاية المطاف.
مع كل موت؛ نفقد جزءاً أصيلاً من أرواحنا، وتتمزّق أوراق ذاكرتنا، ويعبث بها ركْضنا الممجوج؛ فتأخذها الريح إلى مكانٍ سحيق لا نكاد نبلغه.
مع كل موت؛ تخرج دموعنا من فجاج الأرض، من كل الفراغات، وتلتصق بنا،وتنفذ إلى أوردتنا، تتراقص في أعماقنا، تُوُّجد لها مكاناً فسيحاً في كل تفاصيلنا، تستأثر بنا، وتنهشّ في جسد لحظاتنا، وتُفتت كل الأزمنة، وتُبْقِي على زمنها الخاص، وتبعث كل مشاعرنا من مرْقدها كالجنائز حين تُبْعث من قبورها.
يالهذا الموت الذي تأتي منه كل مخاوفنا وآلامنا.
نستحضر هذا المشهد في مخيلتنا -دون أن نعيشه- الذي نتحول فيه إلى كائناتٍ طاهرة تخلّصتْ من أدْرانها، ومعها تتحول رمال المقبرة إلى حيواناتٍ أليفة تطلبُ ودك، وحمامات سلامٍ تدعو لك بالرحمة والمغفرة.
ورغم ذلك، نحن نسير نحو طريقنا للزوال في نشوةٍ عابرة، نمتطي مطايا أحلامنا، تُظللنا غيمةٌ من دمعةٍ حائرة، تتمنَّع في الهطول،لكن خُضْرة أراضينا تُغْريّها بزينةٍ فاتنةٍ ساحرة.

سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *