عبدالمحسن بن خَتَّام البلادي، الإنسان الشاعر، صادفته في طريقي نحو بحثي الدؤوب عن آيات جمالٍ خافية، وعيون كلماتٍ غافية في وادٍ يجمع بين جان الشعر، وملائكة الإلهام.
الشعر عنده حزنٌ متأخر، وحالةٌ من الفوضى التي رتبت قصيده، ولحظةٌ وجوديةٌ لكل خيبات البشر، ورقصةُ فرحٍ زاهية على لحن الخبيتي تزفه إلى نياقه الفاتنات.
الشعر عنده نَزْفٌ لذيذ يُعالِج آلام خساراتنا، وهو عزاء نبيل لأنفسنا على كل ما فاتنا بعد أن أدركنا أنه لن يتكرر.
وفي حين آخر، الشعر عنده بدويةٌ تسقي الصباح من غيمات روحها، وتُلاعب صغار غُنيماتها بلحون البدواني.
ابن خَتَّام، حالةٌ متفردة من العشق اللا متناهي.
يكاد حرفه يَبْكِي، ويُبْكِي، ويُعِيِّدنا إلى دهشة ولادتنا الأولى.
حرفٌ كلما رأى جدار أرواحنا يريد أن ينّْقضَّ؛ أقامه ببهاء حضوره، وشيّده بجمال شعوره.
نسماتُ حرفه التي عَبَرَتْ أسماعنا للتو، أخذتْ بضعاً من روحه الفيّاضة الجمال؛ لتزرعها في مكانٍ ما في بيداء أرواحنا.
حرفٌ فُطِرَ على فضيلة إيقاظ شعور الجمال؛ ليقيم أوتاد ذواتنا مرةً بعد مرة، ويرسم للعاشقين درباً في بيداء شاسعة لا ماء بها، ولا شجرُ،في الوقت الذي تحمل فيه مطاياه زاداً وفيراً لكل عابري بيداء شعره.
ابن خَتَّام صَوتٌ مِنْ البِيّدِ، لم تُنْصِتْ له البِيّدُ.
(خريصة) ناقته الفاتنة -التي بنى لها قلبه سكناً ووطناً- تَحنُّ عند رأسه، وتقيم زاراً كلما هَمَّ بالرحيل عنها، وهو يطلب منها الكَفّ عن الحنين؛ لأنه يُوُّجعُ قلبه وعينه.
لا ياخريصه طالبك لا تحنين
كثر الحنين يضر قلبي وعيني
ترافقه (خريصه) بالنظر إلى منتهى الطريق، وتأخذ منه العهد والمواثيق أن يعود إليها باكراً، وتُعلِّق على زنده شمساً، وأحد عشر كوكباً تحرسه، وتنير له دربه.
تَحنُّ عنده رأسه قائلةً:
لم أكن لديك؛ لأمنحك شيئاً جديداً.
أنا لديك؛ لأُخرِج جَمالاً لم تعرف أنه موجودٌ بداخلك.
لِيُصاب ابن خَتَّام بدهشةٍ عظمى لم يعهدها من قبل، وليقول لنا:
أنه من فرط نشوته؛ خُيِّلَ له أنه يرى صوتها، ولا يسمعه فقط.
ناقةٌ جَعلتْ السحر يتدفق على لسانه بياناً وحسناً، وأناخَ لها مطايا حرفه، وجعل سماء الأبجدية تنحني لعناق رمال بيدائها.
ناقةُ حرفهِ، كأنَّ نياق الصحراء قد جُمعتْ بها، وجعلتْ نوق العرب كلها تأوي إلى مراحها زائراتٍ يحملن لها آيات الاعتراف بتفرُّدها وفتنتها.
سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي