مثلما تحتاج الدول إلى وضع حدود تحمي سيادتها وأمنها وسلامتها، يحتاج الإنسان إلى توفُّر هذه الحدود التي تضمن له كرامته، وسلامه النفسي والجسدي، وتمنحه إطاراً محدداً يتحرك داخله ضمن علاقاته، وتعطي للآخرين صورة واضحة لطبيعة علاقاتهم معنا، تكون بمثابة إشارة لهم بعدم تجاوز إطار تلك الصورة.
إنَّ وضْع حدود لعلاقاتنا يبدأ بالتعرُّف على قيمنا الشخصية، وتوقعاتنا، وتجنُّب الوقوع في فخّ الشعور بالمسؤولية المطلقة تجاه كل علاقة.
إن العمل على إقامة حدود للعلاقات من شأنه أن يمنح الإنسان العيْش وفق مبادئ واضحة، وقيمٍ بيّنة؛ تُشعره بالتقدير الواعي، والاحترام الكافي لنفسه.
وتكون هذه الحدود بمثابة إعلان للطبيعة التي نعيش بها،في الوقت الذي لا تسمح لأي عابرٍ من دخول حياتنا والعبث بها.
وتأتي أهمية إقامة هذه الحدود لصحتنا النفسية؛ كونها تمنحنا الحماية اللازمة من الدخول في كثير من الجدل، وتخفف عنا الكثير من الشعور بتأنيب الضمير، وتُقلل نسبة تذكُّرنا للأحداث السلبية، واجترار الألم الذي مرَّ بنا في تجاربنا الماضية، في الوقت الذي تسمح لنا هذه الحدود بالتعبير عن مشاعرنا وأفكارنا بشكلٍ واعٍ ،دون أن نضطر إلى تهميش أفكارنا، أو محاولة إقصاء مشاعرنا.
إنَّ صُنْع الحدود الآمنة؛ تجعل علاقتنا لديها القابلية الكبيرة للنمو والازدهار، كما يرسم لنا حدوداً واقعية واعية لسقف توقعاتنا في علاقاتنا.
في حين أنَّ إقامة جداراً عاطفياً عازلاً بيننا وبين الناس؛ من شأنه أن يصنع الانفصال، ويحدُّ من نمو علاقتنا، في الوقت الذي تتكون فيه رغبتنا في السيطرة والتحكُّم، والتحليق في فضاءٍ من التوقعات تعوزه الواقعية، ويبتعد كثيراً عن الحكمة.
سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي