اختطاف العقول.. كيف نحمي أفكارنا؟

الأشكال الهندسية تلعب دورًا مهمًا في وصف حالات الإنسان النفسية والفكرية، فهي تعبر عن العلاقات والتوازنات التي يعيشها الإنسان في حياته.
 
فالدائرة، مثلاً ترمز إلى الاستمرارية والتوازن والحماية، كدورة الحياة أو التفكير الدائري المغلق، فيما يعبر شكل المربع عن الثبات والاستقرار مثل القواعد الصلبة التي يعتمد عليها الإنسان في قراراته، أما الشكل الحلزوني فيرمز إلى التطور والنمو التدريجي، حيث يتعلم الإنسان من تجاربه ويتقدم في الحياة.
 
وعند الحديث عن المثلث فإننا نتحدث عن توازن ثلاثي، مما يجعله مثاليًا لوصف العلاقات الثلاثية التي تؤثر على الإنسان وكيفية تفاعله مع المعلومات واتخاذ القرارات، وهو أقرب الأشكال الهندسية عند اختصار توازن مؤثر على الإنسان، نمط حياته، تفكيره وسلوكه أيضًا.
 
خذ على سبيل المثال توازن الإنسان بين ثلاث قوى تؤثر عليه العقل، الفهم، والفكرة.
 
فإذا اختلّ أحد الأضلاع، اختلّ التوازن بأكمله، والسؤال هنا: ماذا لو أن أحدهم أراد السيطرة على هذا التوازن؟ هل يمكن أن يُختطف العقل دون أن نشعر؟
 
للأصدقاء والمعارف تأثير مباشر من خلال التكرار، خاصة عندما يكون الأصدقاء أكثر جرأة في الدفاع عن سلوكيات خاطئة حتى تصبح مقبولة، فهم يصبحون جزءًا من عاداتنا وأفكارنا، لأنهم دائمًا قريبون، ويشكلون جزءًا من المحيط الذي نعيش فيه، مما يجعل تأثيرهم أعمق وأطول أمدًا.
 
أضف إلى ذلك الترويج للمفاهيم الخاطئة عبر محتوى مضلل ووضع نماذج غير حقيقية أو غير صحية كقدوة، فجميعها أساليب تؤثر على العقل، فتتغير المفاهيم والأفكار وتصبح مشوشة بما يكفي لتكون عائقًا أمام الإنسان.
 
وعندئذ تتفكك القيم، وتظهر أجيال تفقد بوصلة الأخلاق بسبب اختلاط المفاهيم، مما يؤدي إلى فقدان الثقة بالنفس.
 
وكل ذلك يرجع إلى نقص الوعي النقدي لدى الفرد، وغياب القدوة، والاعتماد المفرط على المصادر الخارجية لتحديد القيم والمبادئ دون أن يكون له دور ذاتي في الانتقاء والتفكير والفهم.
 
العقل هو المصدر الذي يولد الأفكار، لكنه قد يتأثر بعوامل خارجية مثل البيئة، المجتمع والتجارب الشخصية.
 
وفي بعض الأحيان، قد يتم “اختطاف” العقول عبر التلاعب بالأفكار، مما يؤدي إلى تغييرات في قناعات الشخص وسلوكياته.
 
فالعقل هو الأداة التي تقيّم الأفكار قبل أن تتحول إلى قرارات أو تصرفات، ودوره الأساسي هو التحليل والتفكير النقدي، بحيث لا يقبل أي فكرة إلا بعد التحقق من صحتها ومنطقها، والأشخاص الذين يستخدمون عقولهم بوعي يختبرون الأفكار قبل تصديقها أو نشرها.
 
وقد أشار العلماء المختصون في هذا المجال إلى أن الأفكار تنتقل بين الأفراد والمجتمعات، وتؤثر فيهم سواء كانت صحيحة أم مضللة.
 
فبعض الأفكار تكون قوية لدرجة أنها تقود العقول بدلًا من أن تكون ناتجًا لها، لذا يمكن أن تكون الأفكار بناءة أو مدمرة؛ فبعضها يساعد في تقدم المجتمع، بينما يُستخدم بعضها الآخر في إيقاف عجلة التنمية.
 
أما الفهم فهو الجسر بين العقل والفكرة، إذ يمكّن الإنسان من استيعاب الفكرة بشكل صحيح قبل الحكم عليها، وليس كل فكرة تمر بالعقل يتم فهمها بشكل سليم، وهنا تكمن المشكلة في انتشار المغالطات والتلاعب بالأفكار.
 
ولكيلا يكون الإنسان مجرد ناقل للأفكار دون وعي، يجب عليه تعلم التفكير النقدي، أي تحليل كل فكرة قبل تبنيها، وكذلك التمييز بين الفكرة والرأي، فليس كل ما يُقال صحيحًا أو يستحق التصديق. كما يجب عليه عدم الانجراف خلف العواطف فقط، إذ إن بعض الأفكار تنتشر لأنها تلامس المشاعر، لكن العاقل يحتاج إلى موازنتها مع المنطق.
 
تطبيقًا لنموذج المثلث، فإن العقل يستقبل الفكرة ويفكر بها، فيما يقوم الفهم بتحليل الفكرة ويضعها في سياقها الصحيح، وبعد أن يتم الفهم بشكل صحيح، تصبح الفكرة أكثر وضوحًا، فيتم قبولها أو رفضها أو تعديلها.
 
وهكذا فإن الحفاظ على توازن العقل والفهم والفكرة هو مفتاح اتخاذ القرارات الصحيحة وحماية الإنسان من اختطاف عقله دون أن يشعر.
 
مقالات سابقة للكاتب

2 تعليق على “اختطاف العقول.. كيف نحمي أفكارنا؟

خالد بن محمد الأنصاري

‏مقال ممتع ورائع يا دكتور عبدالله ، و‏إن سعة الأفق وبعد النظر سببان في تجديد الأفكار وتواكبها مع مجريات العصر.

BAKHSH, TALAL ABDULLAH H.

سلم اليراع وصاحبه
ما تحوجنا إلى فهم الفكرة وتمييزها والتفريق بين الغث والسنين خاصة في هذا الزمن؟
زمن الرويبضة.
سلمت ودمت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *