القصة قرار.. والصاحب اختيار

ما الحياة إلا مجموعة من التفاصيل والأحداث…

تتناثر بين يومٍ وآخر، وتختبئ في اللحظات الصغيرة أكثر مما تُعلن عن نفسها في المنعطفات الكبرى.

ومن بين تلك التفاصيل تتكوّن الخبرات، فبعضها يُبنى كتلال، وبعضها يرتفع كجبال، وبعضها يمنحك ظلًا كالشجر الوارف، لذا أحسن اختيار من يعيشها معك، من يفهم صمتك قبل كلماتك، ويشاركك بناء فصولها لا انتظار نهايتها.

فليست الحياة تلك اللحظات الكبرى التي ننتظرها بفارغ الصبر، بل هي تلك اللمسات الصغيرة التي تمر خلسة كابتسامة عند الصباح، كلمة طيّبة، كوب قهوة دافئ في يوم بارد، أو نظرة تختصر حديثًا طويلًا.

وتلك المواعيد المبهجة لحديثٍ عابر، أو أمسيةٍ ماتعة، أو لقاءٍ يحمل بين طياته لحظاتٍ نافعة… فتتحوّل إلى معاول بناء للقدرات، وتغيّر الأحوال.

نقضي أعمارنا نركض خلف العناوين، وننسى أن العذوبة تكمن في الهوامش… وأن التفاصيل وحدها هي التي تصنع الحياة.

فلا تبحث عن شخص يُشاركك الهدف فقط، بل ابحث عمّن يُشاركك الطريق، عمّن يُجيد قراءة الفواصل في قصتك، ويمنحها روحًا.

فلعل أجمل القرارات، أن تختار من يكتب معك تفاصيلك، من يراك في لحظاتك الصامتة، ويفهمك دون شرح، من يهمّه أين تضع نقطة النهاية، لا لأنه يشاركك السطر، بل لأنه شريك الصفحة.

فالتفاصيل، عندما نكتبها مع من نحب، تتحوّل إلى ذاكرةٍ حيّة، وإلى حكايات تُروى، يصبح اليوم العادي احتفالًا، والصباح الباهت مشهدًا سينمائيًا، فتتغير عدسة النظر إلى العالم، لأن ثمة روحًا تُضيء الزوايا التي اعتدنا تجاهلها.

نحن لا نحتاج إلى من يُدهشنا، بل إلى من يُعيد تشكيل العادي ليغدو استثنائيًا، من يجعل من “كيف كان يومك؟” سؤالًا حقيقيًا، ومن “أراك لاحقًا” وعدًا لا يتكرر دون وفاء.

الحياة بمقاييس البشر ليست صاخبة كما نظن، بل هادئة راقية برقي شخص نحبه يجلس بجوارنا، ونتجاذب أطراف الحياة معه بود، ومحبة، وصبر، يتبعه رضا.

ولعلنا ننصف الحقيقة حين نعترف بأننا كلما ازدادت الضوضاء من حولنا، صرنا نُدرك أن التفاصيل هي الملاذ، وأن من يكتبها معنا هو الوطن الحقيقي.

فاختر جيدًا من يُشاركك كتاب الحياة، لأن بعض التفاصيل تُكتب مرة واحدة فقط… وإن كُتبت بشكل خاطئ، يصعب محوها.

واجتهد في اختياراتك، في صاحب السفر، ورفيق العمر، وزميل العمل وفيمن تقول له سرك، وتأتمنه على درهمك، وتودعه صور ذكرياتك.

فالاختيار السليم لا يمنع المفاجآت، لكنه يخفّف من آثارها… ويقلّل من ندمٍ على ما فات من حكايات.

في نهاية المطاف، لا تقاس الحياة بعدد السنوات، ولا بثقل الإنجازات، بل بعمق اللحظات وصدق التفاصيل.
فإذا وُجد من يراك في الزحام، من يُجيد الإصغاء إلى صمتك، ويبتسم معك لأبسط مشهد… فتمسك به.

لأن التفاصيل لا تُنسى، ولا تتكرر بنفس الشعور، ومن يكتبها معك بمحبة، يمنحك عمرًا ثانيًا لا يُقاس بالوقت، بل بالمعنى.

فلعمرك… اختر من يجعل من حياتك قصة تستحق أن تُروى، لا لأحداثها الكبيرة، بل لعذوبة ما بين السطور.

عبدالله عمر باوشخه

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *