مبدأ التماس الأعذار من المبادئ الأساسية والمهمة في بناء العلاقات الإنسانية؛ هذا المبدأ يدعونا إلى الابتعاد عن الأحكام القائمة على الظن، والتي لا تستند إلى حقائق ثابتة؛ إذ إن مثل هذه الأحكام قد تلحق الظلم بالآخرين وتسيء إليهم دون وجه حق.
من خلال هذا المبدأ نتعلم ألا نحكم على أي موقف أو شخص دون معرفة الحقائق الواضحة والمعلومات الدقيقة من مصادرها الأصلية. وهنا تظهر الحكمة، وتتجلى صفة العفو وضبط النفس والتسامح، بعيدًا عن اتباع أهواء النفس وأحكامها الظنية التي قد تؤدي إلى توتر العلاقات الإنسانية وتشويهها.
التمس لأخيك عذرًا يتيح للنفس راحة وطمأنينة، ويعزز من بناء السلوك الإيجابي الذي يقوم على افتراض الخير وترسيخه بين الناس. هذا التوجه يساعدنا على التريث والتأكد من المعطيات الصحيحة بدلًا من التسرع في قرارات مبنية على الظنون لها أثرها السلبي في تفكيك المجتمع وتوتر العلاقات بين أفراده بسبب بناء الأحكام على الشك وسوء الظن.
عندما تتحرر النفس من الظنون، وتبحث بجدية عن الحقيقة، يتأتى للإنسان تفعيل مهارات التفكير الناقد والذكاء العاطفي؛ مما يمكنه من الوصول إلى رؤية صائبة وخالية من التسرع في إصدار الأحكام. هذا النهج يطور من قدرة الإنسان على تجاوز الظنون السيئة التي قد تؤدي إلى قرارات غير دقيقة تؤول إلى ظلم الآخرين بناءً على انطباعات وأهواء شخصية.
التمس لأخيك عذرًا ليس مجرد سلوك يومي، بل يمثل ذكاءً وجدانيًا يجسّد افتراض الخير في الآخرين، وتأصيل هذا المبدأ في الذات وتمثلاتها السلوكية. فالإنسان الذي يمتلك القدرة على إيجاد العذر للآخرين يرتقي فوق نزعات نفسه وأهوائها، متجاوزًا مرحلة النفس اللوامة إلى النفس المطمئنة التي تسعى دائمًا لبث الطمأنينة بالاعتماد على الحقائق، والابتعاد عن الأحكام المتسرعة.
إن هذا المبدأ الأخلاقي العظيم يعكس رقي التعامل الإنساني في المواقف الحياتية المختلفة، بالالتزام بحسن الظن والتثبّت قبل إصدار الأحكام؛ مما يخلق مجتمعًا صحيًا، يتصالح فيه أفراده مع ذواتهم من جهة، ومع مكونات المجتمع من جهة أخرى.
تشكل النتائج المثمرة لاتباع هذا النهج دعامة أساسية لتوطيد العلاقات مع الآخرين وزيادة عمقها؛ فالابتعاد عن الشكوك، والتريث في مواجهة المواقف اليومية يوفر بيئة من الصبر والتفهم، وهو ما يعود بالنفع على الفرد بعلاقات أكثر استقرارًا وحسنًا، بالإضافة إلى الأجر والثواب الذي يكسبه من اتباع طريق العفو وحسن الظن.
إذا أساء الإنسان تفسير موقف ما أو بالغ في تحميله أكثر مما يستحق، فإنه يضعف علاقته بالطرف الآخر، ويؤدي إلى زيادة الفرقة بينهما وشدّة الخلاف؛ إذ يرتكز السلوك الإنساني السليم على حسن الأخلاق والإيجابية في التعامل، وهي أمور ضرورية للحفاظ على الروابط الإنسانية المتينة، والابتعاد عن كثرة الظنون التي قد تسمّم العلاقات، وتؤدي إلى فتورها.
كم من علاقة انتهت بسبب سوء الظن القائم على فهمٍ خاطئ؛ حيث بنيت قرارات متسرعة دون النظر بعين الفحص والتحقق. فالمحافظة على روح الود بين الأشخاص تتطلب حكمة وتعقلًا في إصدار الأحكام واستقاء المعلومات من مصادر موثوقة قبل اتخاذ أي موقف.
النفس التي تحمل الخير، وتبتعد عن الشك والقرارات غير المستندة إلى حقائق تصنع قرارات أكثر حكمة واتزانًا، أما النفس التي تسير خلف أهوائها وظنونها السيئة، فإنها لا تظلم الآخرين فحسب، بل توقع ذاتها في دوامة من القلق وعدم الاستقرار؛ نتيجة لأحكام غير مدروسة.
السلوك الإنساني مرتبط ارتباطًا وثيقًا بعادات وأفكار الإنسان حول المواقف التي يواجهها، وإذا اعتاد الإنسان حمل الجميع بمحمل الخير، وضبط نفسه بالمنطق والحكمة، فإنه يحقق طمأنينة داخلية، ويبتعد عن الوقوع في الأخطاء الفادحة. أما إذا أطلق العنان للأحكام الظنية دون تثبّت فإنه يستهلك وقته وطاقته في تفسيرات لا أساس لها، ويعرض علاقاته مع الآخرين لخطر التصدع والانهيار.
مقالات سابقة للكاتب