ماتت والدتي رحمها الله ولم تصل سن الأربعين من عمرها.
كانت سنوات حياتها وخاصة الأخيرة مملؤة مشقةً وعذاباً طويلاً، فمرضها الذي أخفته عنا وعن غيرنا، وعنايتها بأبنائها بعد وفاة زوجها، ومابذلته من أجل أولادها وقد عنيت بهم أيما عناية، يضاف لذلك ظروف والدها، وغياب شقيقها لعشرة أعوام.
لقد دفعت الثمن وحدها.. في سبيلنا جميعاً، ولم تستطع أن تفرح لحظه بثمرة الكفاح.
وعندما أذكرها -وإني لأذكرها دائماً – أرى فيها، وهي المرأة الأمية البسيطة التى لا تقرأ ولا تكتب، مثلاً رائعاً للمرأة العظيمة.
إنها تفوقنا جميعا نحن الذين تعلمنا وعرفنا الكثير من متع الحياة ومسراتها.
كانت أمي لا تعرف القراءة والكتابة، لكنها شغوفة بحب التعليم، وتشجيع أبنائها وبناتها على التحصيل الدراسي، وبذل مافي وسعها لمواصلتهم دراستهم، حريصة على صلة الأرحام.
كانت ظروف حياتنا الأولى صعبة وقاسية، وكنت أحس دائماً أن أمي تحتمل أكبر جانب من مسئولية حياتنا بشجاعة كبيرة ودون أن تشكو؛ فهي أقلنا طعاماً، وأكثرنا أسى وحزناً وصبراً وكفاحاً، لم يكن إخلاصها ومحبة الخير موقوف علينا فقط، كانت تحب الخير للجميع، ولم تكن تأل جهداً في إدخال السرور على قلوب الآخرين وقضاء حوائجهم بل وتجهد نفسها في ذلك، وترى بسمتها وهي ترى ثمرة من ثمرات جهدها، كانت ترينا جميع ألوان الفرح، وبالتأكيد أنها كانت تخفي عنا دموعها وأوجاعها لأنها لا تريد كسر قلوبنا.
اللهُم اجزِ والدينا عنا خير الجزاء وأحسن إليهما كما أحسنوا إلينا، واشملهم بعظيم عفوك وغفرانك، اللهُم ارضِهم وارضَ عنهم، واجمعنا بهم في جنات النعيم.
———————–
✍️ عبدالمجيد العُمري
مقالات سابقة للكاتب