أَتْبَاع الدِّين الجديد!

يبدو أننا على أعتاب دين جديد بدأتْ ملامحه تتشكَّلُ عبر صورٍ ذهنية ارتبطتْ بمعتقد تمجيد الذات البشرية، وجعْلها محوراً للوجود، مما يناقض القيم الدينية التي تضع الخالق سبحانه وتعالى منطلقاً لكل سلوكيات الإنسان، وهدفاً لعبادته وحده.
ولعلَّ كتاب “علم النفس ديناً،مذهب عبادة الذات” للمؤلف (بول سي.فيتز) قدَّمَ نقداً موضوعياً لهذا التوجه.
وهذا الكتاب يُعد من الأعمال النقدية في مجال علم النفس، حيث يناقش المؤلف كيف تحوّل علم النفس الحديث، خصوصاً في الولايات المتحدة، من كونه عِلماً يهدف لفهم النفس البشرية إلى ما يشبه البديل الديني، حيث أصبحت الذات تُعْبَد، ويتمحور كل شيء حول تحقيق الذات، وتقدير الذات، والاعتماد على النفس بشكلٍ مطلق.
فالكتاب يقدم نقداً لعلم النفس الإنساني، وخصوصاً التيارات النفسية، مثل تلك التي تبنَّاها كارل روجرز، وأبراهام ماسلو، والتي تركز على “تحقيق الذات” و”الذات العليا” كغاية وجود الإنسان.
حيث اعتبر أن هذه التيارات تحوّل الإنسان إلى مركز الكون، مما يناقض القيم الدينية.
وهذا بدوره ساهم بشكل كبير في صياغة عبادة الذات كدين جديد، حيث يرى الكتاب أن الكثير من الناس اليوم يتبعون علم النفس كما لو كان ديناً، حيث يسعون لإشباع رغباتهم الشخصية، وتحقيق سعادتهم الذاتية فقط، بدون مرجعية دينية تضبط سلوكياتهم، وأداة أخلاقية توجه رغباتهم.
وبرزت أهم تمظهرات الدين الجديد المزعوم في الانعزال عن القيم الدينية، حيث دفعتْ تيارات علم النفس الحديث في إبعاد الإنسان عن الإيمان بالله تعالى، أو الاعتماد على القيم الروحية، واستبدلها بثقةٍ مفرطة في الذات.
وبالرغم من ذلك، فالمؤلف أشار إلى ضرورة إعادة التوازن؛ فلا يدعو المؤلف إلى رفْض علم النفس بصورةٍ مطلقة، بل إلى تصحيحه وإعادته إلى سياق إنساني وأخلاقي وروحي متكامل، بحيث لا يتم عزْل الإنسان عن حاجته الفطرية للإيمان بالله تعالى.
ونرى أن يضع الإنسان دينه منطلقاً لكل أفكاره، وسلوكياته، وألَّا ينجرف نحو أيدولوجيات تبعده عن هذا السبيل.
ويمكننا توجيه نقداً علمياً عميقاً للنزعة النفسية الحديثة، ووضعه على مشرحة المنهج العلمي الرصين، في المقابل لا نغفل عن التمييز بين علم النفس كأداةٍ علمية، وبين علم النفس كإيديولوجيا دينية بديلة، والانتباه إلى خطر دعوة أَتْبَاع الدِّين الجديد، عبر التمركز حول الذات على حساب القيم الدينية والمجتمعية والأسرية؛ الذي أدَّى بدوره إلى ظهور ملامح هذا الدين الجديد في بعض مجتمعاتنا، عبر بروز الاعتداد المفرط بالنفس، وظاهرة الاستغناء عن شريك الحياة؛ مما شكَّلَ صَدْعَاً كبيراً في جدار الأسرة، وضربةً قاتلة لكل عُرَاها الوثيقة.

سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

تعليق واحد على “أَتْبَاع الدِّين الجديد!

عيسى محمد

قال الله تعالى ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) . حتى المؤمن يقع في الشرك , وقال عنهم عز وجل أكثرهم !!! نعم تقديس الاشخاص والكيانات هو شرك بالله والعياذ بالله . نحن نقع في الشرك ولا نعلم , عندما نتألم من نقد شخص أو كيان أو حزب أو جماعة أو قبيلة , وهذا هو المعيار الذي يقيس به الانسان نفسه. ما أجمل الحرية وهي الايمان الكامل والتوحيد الكامل الذي لا يؤمن الا برب واحد واله واحد. لا تعنيه التحزبات ولا التعصب والعنصرية بل هو حر لا ينساق ورى شهواته وملذاته وعنصريته. المفكر الفرنسي ( دي لا بويسيه) صاحب كتاب العبودية الطوعية قد يوضح هذه المسألة بشي من التفصيل . وهو يقصد ان الانسان بطبعه دائما يبحث عن إله , فأن لم يجده , صنعه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *