لعله منعطف خطر

في الزاوية التي ينتظر فيها الحلم،

هناك من يعرف كيف يبدأ… ولا يكتب إلاّ ليتحرك.

الحياة تشبه الأيام… لا تعلن تغيرها، بل تتبدّل بهدوء..
تغيب أشياء، وتظهر أخرى، وتَنتقل أنت بين البدايات والنهايات دون ضجيج…
فقط تحتاج أن تفتح عينك كل صباح لتدرك أنك ما زلت في السعي، وما زالت الفرصة قائمة…
كل دورة زمنية ليست تكرارًا، بل اختبار جديد لسؤال متجدد:
هل كنت حاضراً فعلًا في يومك، أم كنت مجرد عابر؟

لا بأس أن يمضي عام…
لكن البأس كل البأس أن نمضي معه فارغين، كأنّ شيئًا لم يكن..
ما بين دفاتر العمل، ورسائل البريد، وأحاديث المجاملة… كان هناك وقت، وكان هناك حلم…
فهل انتبهنا له؟
هل سمعنا صوت أنفسنا؟
هل عبر بنا الإنجاز حقًا، أم مضى العام دون أن نشعر؟

في ركن ما من أرواحنا، تقيم أحلام كثيرة…
والأحلام ليست ضيوفًا عابرة، بل أرواح مؤجّلة…
ليست تلك التي نكتبها في بداية العام وننساها بعد أسبوع…
بل تلك التي تراودنا بصمت، وتكبر معنا، وتنتظر أن نعترف بها دون خجل.
أعرف بعضها…
أعرف حلمًا كاد أن يُقتل بالتأجيل، وآخر أُجهض تحت ضغط التوقّعات.
لكنّي أيضًا أعرف أحلامًا تنفّست فقط لأن أصحابها… قرروا البدء ولو متأخرين.

وكن على يقين أن الأحلام وحدها لا تكفي، فبين الرغبة والواقع طريق لا يُختصر.
طريق لا يُعبّد بالحماسة العابرة، بل بالمثابرة الدقيقة، والتنظيم المتأنّي، والعودة كل يوم إلى الهدف ذاته دون كلل.
حين يكون الهدف عميقًا، لا يُقاس بإنجازه الفرد وحده، بل بصداه في المجتمع…
حينها تصبح خطة العمل أكثر من مجرّد جدول، تصبح رسالة حياة.
لذلك كان التنظيم ضرورة، والمثابرة عادة..
فالأيام تمر مرّ السحاب… ومن لا يصنع لها إيقاعًا، تمضي من بين يديه دون أن تترك فيه أثرًا، أو تترك منه أثرًا.

حين تكتب أهدافك، لا تكتبها كأنك تؤدي واجبًا وظيفيًا.
اكتبها كأنك تكتب قصيدة… كأنك تصوغ وعدًا لنفسك.
اختر لها كلماتٍ تُحبّها، كلماتٍ تلمع في عينيك، وتداعب فيك الأمل.
كلمات فيها ذوق… فيها تقدير لذاتك… فيها ذكاء يُحرّكك لا يُثقلك، وراحة لا قلق.
فكما أن الهدايا تُغلف بعناية… فالأهداف أيضًا، تحتاج أن تُلفّ بكلمات تُشبهها، وتُشبهك.

ليس كل هدف يجب أن يُنجز هذا العام… لكن كل عام يجب أن يقربك منه.

الفشل لا يعيبك… التوقف الطويل بلا مراجعة هو ما يُضعفك.

لا بأس أن تغيّر الطريق… المهم ألا تفقد البوصلة.

لا تجعل التخطيط سجنًا… اترك فيه نوافذ للمرونة، وفسحة للدهشة.

لا تُغرق نفسك في المقارنات، فلكل روح إيقاعها، ولكل نضج أوانه.

التفاؤل الحقيقي لا يعني إنكار المصاعب… بل مواجهتها بعين ثابتة، وقلب لا يستسلم.

هذه الهوامش ليست تراجعًا، بل وعيًا يحميك من الغرق في المبالغة… ويعيدك إلى الجوهر كلما شتّتتك التفاصيل.

حين تكتب أهدافك، اكتبها كما تحب أن تتحقق، كما تحب أن تراها.. لا كما يُطلب منك أن تكتبها.

فكتابة الأهداف تجعلك تُعد للأسئلة الأصدق والأقسى جواباً:
هل مرّ الإنجاز من هنا؟
هل ترك شيئًا؟
هل كنا أهلًا له؟
أم أننا نُجيد كتابة القصة، دون أن نحياها؟
كل ما أعرفه أن الحياة لا تُقاس بما أنجزته فقط، بل بما بقي منك في نفوس الناس، في وعيك، وفي الطريق الذي سلكته.

غذي عروق الابداع والتجدد في أعمالك لتحقيقك أهدافك..

فكما لا تُذكر المرأة دون أن تُستحضر الأمومة، كذلك لا تُكتب الأهداف دون أن نضع في الحسبان من يعيننا على تحقيقها…

كذلك هي الأهداف عند كتابتها اختر جيدًا… من يعاونك على تحقيقها..

فالعام لا يبدأ بتقويمٍ جديد فقط، بل يبدأ باختيار:
من تصاحب؟ بماذا تفكر؟ ما الذي يمنحك الدفء؟ ما الذي يستنزفك؟
أي الطرق تمضي فيها… وأي الطرق تمضي منك.
اختر الصحبة التي ترفعك، لا تلك التي تُثقلك.
اختر الأفكار التي تُحرّك فيك الحياة، لا التي تستهلكها.
اختر المشاعر التي تنعشك، لا التي تكدّرك.
اختر الأهداف التي تُشبهك… لا التي فُرضت عليك.
اختر بعين القلب والعقل معًا… حتى يكون عامك حافلًا، أينما اتجهت.
وكن بعيد النظر، متفائلًا… فبعض الطرق تُزهر فقط لمن واصل السير وهو يؤمن بها، ولو طال المدى.

ضع إطارًا لصورتك وأهدافك وإنجازاتك…

لأنك إن لم تُحدّد صورتك، رسمها الناس عنك.
وإن لم تصنع أهدافك، استُهلكت في أهداف غيرك.
وإن لم تجمع إنجازاتك في سياق واضح، تناثرت… وتحوّلت إلى مجرد لحظات من التعب بلا ملامح.
ضع إطارًا لما تُريد أن تكون عليه… لما تسعى إليه… لما أنجزته فعلاً…
لا ليُقيدك، بل ليُذكّرك:
أنك هنا، وأنك تسير، وأنّ لك أثرًا يُرى… إن شئت.

لئلا تمضي الأعوام فارغة…

ولأن شيئًا ما لا بد أن يبقى…

اكتب أهدافك لا بوصفك خبيرًا يقدّم وصفة، ولا واعظًا يرفع سبّابته، بل محبًا للإنجاز، حريصًا على أن يكون لك بصمة وأثر.
لأن الأعوام تمضي، لكن ما يبقى فيها هو ما تركته أنت…

فخذ نفسًا عميقًا… وابدأ رحلتك.
اربط على قلبك، وتأبّط الخير والتفاؤل،
وشدّ حزام الأمان…
وابدأ التنفيذ، دون تردّد وبكامل الإصرار…
فما أجمل أن نكتب،
وما أصدق أن نبدأ في ترجمة ما كتبنا إلى واقع…عندها فقط تُولد الأعوام المليئة… ويبقى الأثر.

عبدالله عمر باوشخه

مقالات سابقة للكاتب

3 تعليق على “لعله منعطف خطر

أنور يوسف ابو الجدايل

جزاك الله خير استاذ عبدالله

غير معروف

تسلم الايادي

عبدالله محمد المعلمي

سلمت يمينك وسلم الله فكرك المبدع أخي الدكتور عبدالله باوشحه
اسأل الله لك التوفيق والتقدم الدائم في كتاباتك الهادفه
اخوك عبدالله المعلمي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *