القول النفيس في الشيخ جعفر شيخ إدريس

بعد معاناة طويلة مع المرض، انتقل إلى رحمة الله تعالى الشيخ الدكتور جعفر شيخ إدريس عن عمر عن عمر ناهز 94 عامًا، وبعد مسيرة علمية وفكرية حافلة امتدت لعقود.

كان رحمه الله من أبرز أعلام الفكر الإسلامي المعاصر، واختطّ لنفسه طريقًا فريدًا جمع بين عمق العقيدة، ورسوخ التأصيل، ورصانة الطرح، وحكمة المقاربة. فكان بحق منارات هداية في زمان اشتدّت فيه الغشاوة، واختلطت فيه المفاهيم.

وقد شهد له القاصي والداني بعلوّ الكعب في العلم، تصديقًا لقول الله تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [المجادلة: 11].

وكان ممن ساروا على درب ورثة الأنبياء، كما بيّن النبي ﷺ في الحديث الذي رواه الترمذي وأحمد وغيرهما أن العلماء هم ورثة الأنبياء، وأنهم لم يورّثوا دينارًا ولا درهمًا ولكنهم ورّثوا العلم، وقد اجتمع له العلم مع العمل، والتأصيل مع الحكمة.

وتميّز الشيخ -رحمه الله- بمنهج علمي عميق جمع فيه بين فقه المقاصد الشرعية، والإلمام بالفلسفة الغربية، والقدرة على تفكيك الشبهات بعقلية حوارية تستند إلى النصوص الشرعية، وهو ما تجلّى في كتبه ومحاضراته ومناظراته، لا سيما في الرد على الفكر الشيوعي، الذي اجتاح الجامعات في ستينيات القرن الماضي.

وامتدّ عطاؤه العلمي لعقود؛ فدرّس في جامعة الخرطوم بقسم الفلسفة، ثم في جامعة الملك سعود، ثم في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حيث تولّى تدريس العقيدة والمذاهب المعاصرة، وأشرف على العديد من الرسائل الجامعية، كما تولّى إدارة قسم البحث العلمي في معهد العلوم الإسلامية والعربية في أمريكا التابع لجامعة الإمام، ثم عُيّن مستشارًا له، مع استمرار عطائه الفكري والدعوي، خصوصًا في فقه الأقليات، وقد أسلم على يديه عدد من أهل الكتاب، تأثرًا بعلمه الراسخ، ومنهجه الوسطي، وهدوئه العميق، وصدقه في الدعوة، ولم يكن الشيخ منغلقًا على محيطه الأكاديمي، بل كان عضوًا في عدد من الهيئات والمجالس العلمية، وشارك في تأسيس “الجامعة الأمريكية المفتوحة”، وساهم في نشر العلم الشرعي في الغرب بمنهج يجمع بين المعاصرة والأصالة، دون تفريط في النصوص، محققًا بذلك معنى قوله تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾* [البقرة: 143].

أسأل الله أن يغفر له ويرحمه ويتجاوز عنه ويجعل ما أصابه من مرض رفعة لدرجاته وتكفيراً لسيئاته ويلحقنا وإياه ووالدينا بالصالحين ويغفر لنا وله ولموتى المسلمين، ويحسن عزاء ذويه ومحبيه، والحمد لله على قضاء الله وقدره.. إنا لله وإنا إليه راجعون.

وقد قلتُ في رثاء الشيخ البروفيسور جعفر شيخ إدريس – رحمه الله-:

أحبابنا قد غاب بـدْرٌ نيِّـرُ
هو شيخنا المحبوبُ ذاك الجعفرُ

*****

نهرُ العلومِ وبحرهُ بل حبرهُ
آثـارهُ مـرموقةٌ لا تنـكرُ

*****

مُتبحرٌ في العلمِ بل مُتبصرٌ
يسبى العقولَ بما يقولُ ويُبهرُ

*****

كُلُّ الأحبةِ قَدْ أبانوا فضلهُ
حلو السجايا بالمحامدِ يُذكرُ

*****

قد ثمنوا فيه الحصافةَ والتقى
ومناقباً عن طيبِ خُلقٍ تُسفرُ

*****

أنا لست أنسى درسهُ في غُربةٍ
وجميلِ أيامِ لهُ أتذكرُ

*****

رحم الإلهُ فقيدنا وأنالهُ
فردوسهُ ويفيض منها الكوثرُ
—————–
عبدالمجيد العُمري
جعفر إدريس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *