ليس كل مشغول منتج، وليس كل من يقول “ما عندي وقت” يعمل فعلاً… بعضهم فقط يهرب، يهرب من القرار، يهرب من المواجهة يهرب من نفسه.
في زمن السرعة، لم نعد نقاس بما ننجز بل بما نُقنع به الآخرين أننا “مشغولون” فيه.
أجندات مزدحمة واجتماعات لا تنتهي ورسائل بلا رد ومشروعات مؤجلة… لكن أين الأثر؟ أين الإنجاز؟ أين ثمرة هذا الركض المستمر؟
بعض الناس يعتذر بعبارة “أنا مشغول جدًا هالفترة”، ظنًا منه أن هذا سيزيد من قيمته، وسيجعل الناس أشد لهفة عليه، وكأن الانشغال أصبح كاريزما مزيفة يتزيّن بها. لكنه لا يدري أن كثرة الاعتذار بلا إنجاز تقلّل من وزنه مع الوقت، وأن الناس لا تحتاج “مشغولًا”، بل تحتاج “فاعلًا”.
صديق أرسل لصديقه رسالة يقول فيها: “مشغول هاليومين.. أرجع لك قريب إن شاء الله” لم يرجع لقدرحل فجأة… وبقيت الرسالة شاهدة على وهمٍ اسمه: “قريب إن شاء الله”.
الانشغال قد يكون شكلاً راقيًا من أشكال الهروب. تهرب من مواجهة الفراغ الذي في داخلك. تهرب من علاقات تتطلب منك وقتًا لا تملكه. تهرب من قرارات تخشى نتائجها. أو أسوأ من ذلك: تهرب من الاعتراف أنك لا تعرف ماذا تريد بالضبط.
ان الاجتماعات الكثيرة لا تعني إدارة فعالة، بل غياب الأولويات.
وان العمل العميق لا يُولد في الزحام، بل في العزلة المركزة.
كم من شخص أمضى أسبوعه يتنقل بين المهام… ثم جلس أمام نفسه ولم ينجز شيئًا يُذكر.
إذا أردت الشفاء من وهم الانشغال، قل “لا” لما لا يستحق وقتك. افصل بين “الضروري” و”الطارئ”. خطّط ليومك وكأنك لن تراه مجددًا. وتذكّر دائمًا: ليس المهم كم تعمل، بل ما الذي بنيته فعلاً.
لا تكن ممن يركض حتى تكلّ قدماه ثم يلتفت خلفه فلا يجد إلا الغبار.
الوقت ليس كثيرًا كما تظن ولا الناس ينتظرونك كما تتوقع، ولا الحياة تعيد فرصها كما تأمل…
كن حاضرًا كن فاعلًا ولا تدفن أجمل ما فيك تحت كلمة: مشغول..
حسن القحطاني
مقالات سابقة للكاتب