في المدينة المنورة، حيث تتلاحم القداسة مع عبق المعرفة، عشنا خلال الأيام الماضية مهرجاناً ثقافياً لا يُنسى، هو “معرض المدينة المنورة للكتاب 2025”. مشهد يفيض بهاءً وحراكاً فكرياً حياً ، يليق بمدينةٍ طالما احتضنت النور، واليوم احتضنت الكلمة المطبوعة.
منذ اليوم الأول، شهدنا حشوداً غفيرة من الرجال والنساء والأطفال، أتوا من كل صوبٍ، يجرّهم شغف القراءة، ويقودهم عشق الورق ورائحة الحبر.
وكانت الصورة بهيّة: أسَرٌ تتجوّل في ممرات مرتبة بتناسق فني، وسلاسة في تنظيم الدخول والخروج تجعل الزائر يشعر وكأنه في نزهة روحية بين عائلته.
الأطفال.. أولئك الأنقياء الذين تستحق عقولهم أن تُغذّى من نبع الفكر، لم يُنسَ لهم نصيب. خُصّصت لهم أماكن مبهجة ترفيهية وتعليمية، ومكتبات صغيرة بحجم أحلامهم الكبيرة، جعلتهم يعانقون الكتاب منذ الصغر، فربّ حرفٍ اليوم يغرس فيهم بذرة عبقري غداً .
في هذا الكرنفال الثقافي، التقينا كتّاباً وشعراء، وقّعنا معهم الحروف، وسرقنا من أوقاتهم دروساً وتجارب.. التقينا أرواحاً تعبق فكراً، وبعضهم وقّع لنا مؤلفاتهم بابتسامة تُشبه إشراقة الصباح.

التقطنا الصور، نعم، لكنّ الصور الأهم كانت في ذاكرتنا، حين وقفنا أمام رفٍّ وأخذنا كتاباً، عدنا به إلى ماضٍ بعيد، أو قرأنا من خلاله فكر الجيل الحالي، وتيقّنا أن الحبر لا يشيخ.
استمتعنا كثيراً ببشاشة الاستقبال، بترحاب الموظفين، بدقة التنظيم، وبجمال التفاصيل الصغيرة التي رتّبت الأمور وكأنها نُسجت على نول المحبة.
واليوم.. اليوم الأخير، نحمل حزنَ الفراق بين أوراق كتب اشتريناها وقلوب ما زالت تتمنى مزيداً .
أيام قضيْناها بين صفحات وأغلفة، وقلوبِ مؤلِّفين مؤلَّفة، نسافر دون أن نبرح المكان، نستمتع دون أن نحتاج منتزهات.
كان المعرض عرساً بهيجاً للكلمة، ووليمة فكرية لمن يعرف للمعرفة طعماً.
معرض المدينة 2025، لن ننساك.. فقد جعلت من المدينة منارة لا تنطفئ، وجعلتنا نؤمن من جديد أن الكتاب ما زال حياً، وأن الأمة التي تقرأ، لا تموت.
أحمد القاري
المدينة المنورة
اليوم الختامي لمعرض الكتاب 2025
مقالات سابقة للكاتب