في عالمٍ تموج فيه الكلمات كما تموج الأمواج على شاطئ الفكر، يبقى النقد الأدبي هو البوصلة التي تمنح النصوص اتجاهها، وتعيد للمعنى توازنه، وللإبداع بريقه.
إنه الفن الذي يقرأ ما بين السطور، ويكشف ملامح الجمال والخطأ في آن واحد، كما لو كان يضع النص أمام مرآة صافية لا تخدع صاحبها.
ليس النقد الأدبي خصومة بين قلم وآخر ! ، ولا هو محكمة يعتليها الناقد ليصدر أحكاماً بالإدانة أو البراءة؛ بل هو مرآة صافية، تُعاد فيها صورة النص بعد أن ينعكس عليها ضوء القراءة الواعية، فتتكشف ملامحه الخفية وتتعزز ألوانه المشرقة.
▫️ ضوابط النقد : حين يتأدب الأدب
النقد الحق لا يعرف العجلة، فهو يبدأ من قراءة النص بروية، وفهم ما وراء الحروف، والتقاط الخيط الخفي الذي يربط المعاني بروح كاتبها.
يستند الناقد إلى ميزان العدل، فلا يفرط في المديح حتى يضيع الصدق، ولا في القسوة حتى ينكسر الإبداع. وهو يُمسك قلمه كما يُمسك الجراح مشرطه؛ لا ليمزق ويؤلم، بل ليُصلح ويعالج العيب دون أن يجرح الكبرياء.
▫️ متى يثمر النقد؟
النقد المثمر يشبه المطر حين يأتي في موسمه، فيسقي البذور دون أن يغرقها.
هو حوار بين عقلين وقلبين، يتبادلان الاحترام قبل الكلمات، وتلتقي فيه رغبة الكاتب في التعلّم برغبة الناقد في الإضافة، فيثمر اللقاء نصاً أكثر نضجاً، وكاتباً أكثر وعياً .
▫️ النقد البنّاء مع من يكون؟
النقد البنّاء لا يزدهر إلا بين الأرواح التي تعرف أن الاختلاف ليس خصاماً، وبين الكتّاب الذين يوقنون أن كل نص، مهما اكتمل، يظل قابلاً للتحسين. ويكون أجمل ما يكون حين يمارَس داخل بيئة ثقافية تحتفي بالحوار وتحتضن الرأي المختلف.
▫️ النقد العلني والنقد الخفي.. أيهما أجمل؟
النقد العلني في المجموعات الأدبية يشبه جلسة على مائدة فكرية مشتركة، يتذوق الجميع أطباق الرأي، ويخرج كل واحد منهم ببهارات جديدة يضيفها إلى طبقه القادم. لكنه قد يتحول إلى سيف حاد إن غاب عنه اللطف، فيجرح حيث كان عليه أن يلمس برفق.
أما النقد الخفي، فهو حديث جانبي بين صديقين، يبوح فيه الناقد بملاحظاته في أذن الكاتب وحده، فيحفظ له هيبته أمام الآخرين، وإن كان يفتقر لثراء النقاش الجماعي.
وفي كل الأحوال فإن النقد، أكان علنياً أو خفياً، هو فنُ قولِ الحقيقة بأجمل صورة، وأن تمد يدك للنص لترفَعَه حيث يستحق.
أما في المجموعات، فإن النقد العلني إذا كان مهذباً وراقياً، يصبح درساً مفتوحاً للجميع، لا فرصة ضائعة في زاوية معتمة.
ولا يغب عن أذهاننا أن نتحلى بالأدب قبل نقد الأدب.
✒ أحمد القاري
المدينة المنورة

مقالات سابقة للكاتب