عودة إلى الطب الأصيل “الغذاء لا الدواء”

في زمن غلبت فيه العقاقير الكيميائية على حياتنا، وأصبحت الكبسولات والمراهم والمحاليل الوريدية هي اللغة السائدة للعلاج، يغيب عنا أن للأمة تراثاً طبياً أصيلاً، كان يقوم على الفطرة والانسجام مع ما أودعه الله في الطبيعة من أسرار. فالعرب والمسلمون الأوائل لم يعرفوا هذه التركيبات المعقدة ولا الأدوية المصنعة في معامل حديثة، وإنما كانوا يعودون إلى ما هو أقرب إلى البدن وألطف على الروح: الغذاء والأعشاب والثمار وما تنبت الأرض من خيرات، وما تخرج من البحار من كائنات.

وقد قرر النبي ﷺ حقيقة خالدة حين قال: «ما أنزل الله من داء إلا أنزل له دواء». فكل مرض مهما عظُم له ما يوازيه من علاج، غير أن الحكمة تكمن في البحث عنه واكتشافه. وما خلق الله فاكهة ولا خضرة، ولا أنبت عشبة ولا ورقة إلا لحكمة أرادها، فمن علمها انتفع، ومن جهلها حُرم خيرها. وفي القرآن الكريم جاء التنويه بالعسل: «فيه شفاء للناس»، وجاءت السنة تؤكد على الحبة السوداء وغيرها من العلاجات الطبيعية، لتؤسس قاعدة أن الغذاء والدواء صنوان لا يفترقان.

وليس هذا مجرد قول إنشائي، بل علمٌ دوّنته مؤلفات الأطباء العرب والغرب، أمثال ابن سينا في القانون في الطب، والرازي في الحاوي، وابن البيطار في الجامع لمفردات الأدوية والأغذية. هؤلاء الأعلام لم يعرفوا العقاقير المصنعة، لكنهم شيّدوا صرحاً علمياً لا يزال العالم ينهل منه إلى اليوم.

أما ابن القيم في زاد المعاد، فقد بيّن أن العلاج لا يكون نافعاً إلا إذا وُضع في موضعه الصحيح، وأن الغذاء قد يكون في أحيان كثيرة أبلغ من الدواء.

الطب الأصيل ليس رفضاً للعلم الحديث، بل هو دعوة للتوازن. فالأدوية الكيميائية قد تنفع في موضع وتضر في مواضع أخرى، ولعل آثارها الجانبية على الكبد والكلى أوضح شاهد على ذلك، إذ كثير من الناس يشكون اليوم من ترسبات وأضرار لم تكن معروفة بهذا القدر في السابق.
في المقابل، الغذاء الطبيعي هو الأصل، وهو الدواء الذي يتناسب مع طبيعة الجسد؛ فلكل داء ما يوافقه من دواء في الطعام والشراب: في العسل شفاء، وفي الحبة السوداء دواء، وفي الفواكه والخضروات والأعشاب سرّ عجيب يوافق مزاج الإنسان وصحته.

إن العودة إلى الطب الأصيل تعني أن يكتشف كل إنسان ما يلائمه وما يعيد لجسده توازنه، لا أن يسلم نفسه كلية لعالم العقاقير.
إنها رحلة وعي وبحث، وتجربة مع الذات والطبيعة، حتى يتسق الإنسان مع ما خلقه الله له من غذاء يكون دواءً، ودواء يكون غذاءً.
وكما قال الحكماء: «اجعل طعامَك دواءك، حتى لا تضطر أن تجعل دواءك طعامَك».

فلنجعل غذاءنا الطبيعي خط الدفاع الأول، والدواء الكيميائي آخر الحلول لا أولها.
هكذا نحيا على نور الفطرة، وننعم بصحة تجمع بين حكمة الماضي وعلم الحاضر، ونحقق التوازن الذي يردّ للإنسان عافيته ويعيد للطبيعة دورها الأصيل في حياتنا.

✍️أحمد القاري
المدينة المنورة

مقالات سابقة للكاتب

تعليق واحد على “عودة إلى الطب الأصيل “الغذاء لا الدواء”

الشيماء

الغذاء دواء اذا كان متوازن وكما قال أشهر أطباء اليونان أبوقراط ليكن غذاؤك دواؤك ، وعالجوا كل مريض بنبات أرضه ، فهي أجلبُ لشفائه .
الله يعطيكم العافية أستاذ أحمد على المقال الرائع
وهذه دعوة للجميع للعودة إلى الغذاء السليم الصحي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *