غزو الإعلانات الوهمية للشاشات

كان الناس في بدايات وسائل التواصل الاجتماعي، يتصفحون هواتفهم بهدوء، يتابعون أخبار الأصدقاء، ويقرأون شيئاً من الطرائف أو الفوائد.

ثم شيئاً فشيئاً تسللت الإعلانات إلى هذه المنصات بخطوات رشيقة، ثم تحولت إلى طوفان لا يهدأ.

بدأت الحكاية مع العسل؛ فما إن تتصفح تطبيقاً أو مررت بمجموعة، إلا وانهالت عليك عشرات الإعلانات عن أجود أنواع العسل، كل إعلان يَعِد بالشفاء والقوة والنشاط، ويقسم أن عسله هو الأصفى والأطيب، بل وربما الأندر في العالم، حتى وصل الأمر إلى إغراءات تعدت المعقول.. فلو اشتريت كيلو واحد عسل أصلي صافي تحصل على ثلاثة أضعافه مجاناً !!

وانشغل الناس بالمقارنة والشراء والتجربة، حتى أصبح الإعلان عن العسل مشهداً مألوفاً لا يخلو منه يوم.

ثم جاء الدور على العطور المستوحاة من الماركات العالمية.. ظهر المسوّقون بعطور تحمل أسماء براقة وتصاميم أنيقة، ومعها كلمات مثل: “ثبات يدوم”، و“رائحة تأسر القلوب”. أغرت الصور والإعلانات كثيراً من الناس، فامتلأت البيوت بزجاجات ملونة، بعضها يبهج حواسه حقاً، وبعضها لم يزد عن كونه وهماً تسويقيّاً.

واليوم، تدور عجلة الإعلانات بسرعة أكبر مع الجوالات والإلكترونيات. عروض متلاحقة، أسعار مخفّضة بشكل لا يُصدّق، هدايا مع كل جهاز، وضمانات تمتد لسنوات. صفحات التواصل تكاد لا تخلو من صراع بين الشركات والمتاجر والمسوّقين؛ كل منهم يسعى لإقناع المستهلك بأن جهازه هو الأحدث والأفضل والأرخص.

وهكذا تحولت منصات التواصل إلى سوق ضخم مفتوح على مدار الساعة. لم يعد المشتري هو من يذهب إلى السوق، بل أصبح السوق يطارده إلى شاشة هاتفه، يلاحقه في كل لحظة بإعلانات تتقن فن الإغراء وتستغل شغف الإنسان بالتجديد والرغبة في الكسب.

لكن في وسط هذا الزخم، يبقى السؤال مفتوحاً: هل نشتري ما نحتاج حقاً، أم أننا نقع أسرى لإعلانات صاغت بذكاء شهواتنا ورغباتنا ؟

أحمد القاري 

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *