النرجسي إنسان مملوء بالغرور، مأخوذ بكبريائه، يرى نفسه أكمل الكاملين وأفضل الناس ، ويحتقر من حوله كأنهم لا يرقون إلى مستواه.
ينظر إلى الناس بعين الانتقاص، ويعاملهم باستعلاء، وكأنه خُلق من نور والآخرون من طين. يعيش في وَهْم الكمال، يظن أن كل ما يفعله هو الأفضل، وكل ما يقوله هو الحق، وأن الآخرين عاجزون عن بلوغ روعته ومكانته المفترضة.
فالنرجسي شخصية بغيضة، متخم بالعلل النفسية، لا ينفع معه طب طبيب، ولا مشرط جراح، ولا حتى الكي بالنار؛ لأنها داء في القلب قبل أن تكون عِلّة في الجسد، وعلّةٌ في العقل قبل أن تكون ظاهرةً في السلوك.
وفي حديث النبي ﷺ تحذير صريح من هذا الخلق السقيم، فقد صح عنه ﷺ أنه قال :
“لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر” [رواه مسلم].
▫️أبرز صفات النرجسيين السيئة:
– التعالي والغرور: يرى نفسه فوق الجميع، ولا يقبل أن يُنقص من مكانته أحد.
– حب السيطرة والتحكم: يسعى لفرض رأيه على الآخرين بالقوة أو الخداع.
– الانتقاص من الآخرين: كل من حوله دون المستوى المثالي الذي يراه لنفسه.
– انعدام التعاطف: لا يشعر بمعاناة الآخرين، ولا يقدّر مشاعرهم.
– التلاعب النفسي: يستخدم الكلام المعسول ليكسب القلوب، ثم يجرحها بسلاح الخداع.
– الحساسية المفرطة تجاه النقد: أي ملاحظة بسيطة تُعتبر طعناً في كماله الوهمي.
– الحسد والغيرة: لا يحتمل رؤية نجاح أو سعادة أحد غيره.
– حب الظهور: يسعى للأضواء بأي وسيلة، ولو بالكذب والزيف.
▫️التعامل مع النرجسي يحتاج إلى حكمة وحزم ووعي كاملين، فهو شخصية منهكة لمن حوله:
1. وضع حدود واضحة، لا تسمح له بتجاوزها أو التحكم في حياتك.
2. تجنب الجدال الطويل، فهو لا يقبل النقاش الموضوعي.
3. عدم الانجرار وراء استفزازاته، فالصمت والهدوء أفضل رد.
4. الاعتدال في المدح فلا تمدحه بإفراط، فهذا يقوي غروره.
5. التركيز على أفعاله لا أقواله فالكلام عنده خداع، والفعل يكشفه.
6. الانسحاب الذكي إذا لم تجد فائدة من التعامل معه، اجعل حماية نفسك أولوية.
7. الصحبة الصالحة أحط نفسك بأشخاص صادقين يوازنون تأثيره السلبي.
8. الوعي بحقيقته إدراك طبيعته المرضية يحميك من الوقوع في مصائده.
9. الدعاء والتوكل على الله فالقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن.
▫️سبل التغلب على النرجسي:
– إدراك طبيعتهم أول خطوة للتغلب على أذاهم.
– اترك مسافة آمنة، لا تمنحهم مفاتيح حياتك، ولا تكشف لهم أسرارك.
– الثبات على التحصين ولزوم الذكر يحطم محاولاتهم.
– الأصدقاء الصادقون حصن ضد سمومهم.
– لا تنفعل حين يستفزك، فالنرجسي ينهزم أمام من يحافظ على هدوءه.
– التدرع النفسي والعاطفي: تعلم ألا تتأثر بتلاعبهم النفسي.
▫️الحكم والأمثال المرتبطة بالنرجسية:
– “من تعاظم في نفسه صَغُر في أعين الناس.”
– “المتكبر كمن يريد أن يبلغ السماء بسلم من دخان.”
– “من رضي عن نفسه كَثُر الساخطون عليه.”
– “العظمة الحقيقية لا تُنال بالكبر والغرور، بل بالتواضع والصدق والرحمة.”
▫️بعض القصص التاريخية عن النرجسيين وكيف أسقطهم غرورهم:
– نابليون بونابرت: الإمبراطور الفرنسي الذي اعتقد أن قوته العسكرية ستجعل أوروبا خاضعة له إلى الأبد.. غروره دفعه لغزو روسيا في 1812 بدون استعداد كافٍ، فخسارة جيشه الساحقة كانت بداية سقوطه، وانتهى به المطاف إلى المنفى.
– هتلر: زعيم ألمانيا النازية، الذي رأى نفسه مخلص البشرية والمتحكم بالمصير الأوروبي.. غروره المطلق دفعه لغزو الاتحاد السوفيتي وافتعال الحرب العالمية الثانية، لينهار كل شيء ويموت في نهاية مأساوية.
– كليوباترا: الملكة المصرية التي اعتمدت على دهائها وغرورها في التحكم بالرجال الأقوياء، لكنها خسرت معركة أكتيوم أمام أوكتافيان، وسقطت مملكتها بسبب غرورها السياسي وانعدام التقدير للواقع.
هذه الأمثلة التاريخية تؤكد أن الغرور والنرجسية لا تدومان، وأنه مهما علت مكانة الشخص، فإن الغطرسة تحمله نحو سقوط محتوم إذا لم يقم بالتواضع والتأمل والحكمة.
داء النرجسية هو الغرور، اسم لمرض نفسي واجتماعي، ظاهره قوة وباطنه ضعف وهشاشة. الشخص النرجسي يعيش أسيراً لوهمه، ويؤذي من حوله بلا رحمة، لكنه عاجز عن الوصول إلى السلام الداخلي، لأنه بعيد عن التواضع والصدق.
كما قال الحق تعالى:
“وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ” [آل عمران: 139].
فالعلو الحقيقي لا يكون بالمكر أو بالغطرسة، بل بالإيمان والصدق والتواضع، ومن تواضع لله رفعه، ومن تكبر هوى وزلّت قدماه.
أحمد القاري
المدينة المنورة
مقالات سابقة للكاتب