في السنوات الأخيرة، اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي موجة من “الترندات” والتحديات التي سرعان ما تتحول إلى موضة مؤقتة يتسابق إليها الشباب والفتيات دون وعي بخطرها. هذه الترندات ليست سوى تقليد أعمى لممارسات دخيلة، ظاهرها تسلية ومشاركة، وباطنها محاولة اقتحام البيوت وهدم الخصوصيات، ولا سيما خصوصية الفتيات داخل غرف نومهن، حيث تُدعين للمشاركة في منافسات (ترندية) ظاهرها الصداقة والمرح، لكن جوهرها أبعد ما يكون عن البراءة.
وأصل كلمة ترند Trend بالإنجليزية بمعنى اتجاه، وتأتي بمعنى النزعة.. ! ويقابلها في مفهومنا الإسلامي (الإمعة) ، جاء في الأثر بسند فيه ضعف ” لا يكن أحدُكم إمَّعة ، يقول : أنا مع الناس ، إن أحسن الناسُ أحسنتُ ، وإن أساؤوا أسأتُ ، ولكن وَطِّنوا أنفسَكم ، إن أحسن الناس أن تحسنوا ، وإن أساؤوا ألا تظلموا “.
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقول: اغدُ عالماً، أو متعلِّماً، ولا تغدُ إمَّعةً فيما بيْنَ ذلك.
من بين تلك الترندات ما يهدد الصحة بشكل مباشر، مثل تحدي تناول الفلفل الحار بدرجات عالية، والتي قد تسبب أضراراً جسيمة للجهاز الهضمي وتعرض أصحابها لمضاعفات خطيرة.
ومنها ما يستهدف القيم والأخلاق بصورة مباشرة، كالترندات المرتبطة بالرقص، وهي الأشهر والأخطر، إذ يُستدرج الفتيات للرقص أمام الكاميرات في غرف مغلقة، يوهمن بأنهن في مأمن ما دام الباب موصداً، بينما تُطلب منهن – في بعض المسابقات أو البثوث المباشرة – ممارسات مخلة بالذوق ، أو استعراض للأجسام، وربما خلع بعض الملابس تحت ستار “التحدي”.
والأسوأ على الإطلاق هو ترند المساس بالعقيدة، كتجربة السحر وترديد بعض التعويذات الشيطانية، واستدعاء الأرواح وتحضير الجن.
بل إن الأمر لم يقف عند حدود الشباب والمراهقين، فقد تجاوزه إلى نساء تجاوزن الأربعين ورجال في الخمسين وأكثر ، ممن انساقوا خلف هذه الموجة تحت تأثير التقليد أو البحث عن لفت الانتباه.
وهنا يظهر الوجه الأخطر للترندات: تحويلها إلى شباك تُسقط الضحايا من مختلف الأعمار في وحل التفاهة والابتذال، وتشجع على ممارسة سلوكيات تخرج عن حدود الدين والعادات والذوق العام.
ولا يخفى على أحد أن وراء هذه الموجات أجندات مدروسة تستهدف شباب الأمة، فهم الفئة الأكثر عرضة للتقليد بسبب قلة التجربة وضعف الوعي وغياب القدوة، فيسهل استدراجهم لممارسات تهدم ولا تبني، وتغرس أنماطاً غريبة عن قيمنا ومجتمعاتنا.
هذه الترندات لم تكن عبثاً عابراً، بل جزء من مؤامرات تسعى لتفكيك القيم وزعزعة الأخلاق.
ولذلك كان من الطبيعي أن تتخذ المملكة العربية السعودية موقفاً حازماً تجاه هذه الانتهاكات، فأقرت القوانين والأنظمة التي تجرّم كل من يتجاوز حدود الدين والعرف والذوق العام عبر هذه المنصات، حمايةً للشباب والفتيات من الانزلاق في شباك هذه الدعوات المضللة، وصوناً للمجتمع من آفات لا تورث إلا الخراب.
إننا اليوم بحاجة إلى وقفة جادة وصريحة مع أبنائنا وبناتنا، نكشف لهم حقيقة هذه الترندات ونوضح خطورتها، ونغرس فيهم وعياً يحصنهم من السقوط في فخاخها.
فالمسؤولية مشتركة بين الأسرة والمجتمع والجهات الرقابية، ونتذكر دائماً أن الوقاية خير من الندم.
أحمد القاري
مقالات سابقة للكاتب