يُثار في كثير من النقاشات الاجتماعية والفكرية سؤال متكرّر : لماذا تظن المرأة أنها مستهدفة دائماً من الرجل؟
ولماذا يتجذّر في الوعي الجمعي أن الرجل لا يسعى إلا للنيل منها أو استغلالها؟
الحقيقة أن هذه النظرة أحادية الجانب، تفترض أن هناك معتدياً دائماً وضحيةً دائمة، بينما العلاقة بين الرجل والمرأة أوسع وأعمق من هذا التصوير الضيق.
فقد أرادها الخالق جل وعلا علاقة سكن ورحمة ومودة وتكامل، لا ساحة صراع أو مطاردة أبدية.
غير أن الواقع يُظهر أن سلوك الطرفين قد يشوّه هذه الصورة النقية.. فالرجل حين ينقاد لشهواته ويبحر في لذته وينظر إلى المرأة كجسدٍ لا روح فيه، يظلمها ويظلم نفسه، وكذلك المرأة حين تتعمد إبراز مفاتنها، أو تستخدم كلماتها ونبرتها لاستثارة الغرائز، فإنها تمارس تحرّشاً مقنّعاً يتعدى أثره بمراحل سلوك الرجل.
إذن القضية ليست في السؤال : من يستهدف من؟
بل في إدراك أن المسؤولية مشتركة، وأن العلاقة لا تستقيم إلا حين يلتزم كل طرف بما كُلّف به..
فالرجل مأمور بغض بصره وصون قلبه ولسانه، والمرأة مأمورة بالحشمة والوقار وصيانة حيائها.
▫️وهم الضحية الدائمة
إن تصوير المرأة كضحية أبدية ظلم للرجل من جهة، وتنصّل من مسؤوليتها من جهة أخرى.
فهي كائن عاقل يمتلك القدرة على الاختيار، وليست مجرد لوحة جميلة تُعلّق أو زجاجة منحنية الحوض تُكسر.
فمتى انحرفت في سلوكها، تتحمّل وزره كما يتحمل الرجل وزر انحرافه.
ولعل أخطر ما في الخطاب السائد أنه يقدّم التحرش وكأنه فعل أحادي يصدر عن الرجل وحده، بينما التجربة الواقعية تثبت أن المرأة غالباً تمارس دور “الصياد” بفتنتها، ثم تختبئ خلف شعار “أنا ضحية” .. وهذا قلبٌ للحقائق، ومعادلة غير منصفة تُبقي الرجل متهماً أبدياً، وتمنح المرأة صك براءة دائماً.
▫️مرآة متبادلة
الرجل والمرأة ليسا خصمين متقابلين، بل مرآتان متبادلتان؛ صلاح أحدهما ينعكس على الآخر وفساده يؤثر فيهما.
وقد لخّص ابن القيم هذه الحقيقة بقوله: “المرأة صديقة الرجل، فإذا صلحت صلح، وإذا فسدت فسد”.
فإذا تخلّى كل طرف عن تكليفه، تحوّل اللقاء بينهما إلى ساحة نزاع، بدل أن يكون واحة سكن ورحمة.
أما إذا وعى الطرفان مسؤوليتهما، فالعلاقة تسمو عن أن تُختزل في لعبة الصياد والفريسة.
▫️ميزان الوعي والشراكة
إن المجتمعات لا تُبنى على الاتهام والتباكي، بل على وعي متبادل يقرّ بأن الرجل ليس ذئباً بالضرورة، كما أن المرأة ليست حمامة سلام على الدوام.
قد ينحرف الرجل حين يستسلم لشهوته، وقد تنحرف المرأة حين تستخدم فتنتها كسلاح.
والكرامة الإنسانية أعظم من أن تُهدر في نزاع بين شهوتين.
حين نكفّ عن تصوير الرجل كجانٍ أبدي، والمرأة كضحية بريئة، ندرك أن العلاقة بينهما ليست داحس والغبراء ، بل شراكة قائمة على الاحترام المتبادل.
وحين يتحمّل كل طرف مسؤوليته، يزول وهم الاستهداف، ويشرق فجر العلاقة كما أرادها الله (سكناً ورحمةً وطمأنينة).
أحمد القاري
المدينة المنورة
مقالات سابقة للكاتب