هناك فئة من الناس اصطفاهم الله تعالى وخصّهم بنفحات من فضله، جعل حياتهم مباركة في كل جانب، في حضورهم تشعر بالسكينة، وفي دعائهم تُستجاب الحاجات، وفي قولهم يفيض الحق، وفي أعمالهم يشرق الخير، وإذا صاحبتهم لحقك الفرج والتيسير، وإن دخلوا أي محل أنعشوه بالبركة، ولو زار مجلساً صدروه برغم كراهيته للظهور.
هؤلاء هم أولياء الله وخاصته، الذين قال فيهم سبحانه: ﴿ ألا إن أولياء الله لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون ﴾.
أناس امتلكوا طاقة روحية ربانية، لا أقول إنها طاقة بالقوة المادية ولا بالمظاهر الدنيوية، بل طاقة البركة التي وهبهم الله إياها، فتراها تتجلى في تجارتهم بيعاً وشراءً، وفي ذريتهم صلاحاً واستقامة، وفي علاقاتهم حباً وقبولاً، بل وحتى في الأماكن التي يحلون بها، فتحيا وتزدهر.
قال تعالى حاكياً عن نبي الله عيسى عليه السلام : ﴿ وجعلني مباركاً أين ما كنتُ وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً ﴾.
ومن صور ولايتهم الخفية أن الله يكتب لهم القبول في الأرض، بعد أن كتبه لهم في السماء، فيجعل للناس في قلوبهم مودة لهم دون معرفة سابقة، ويهيئ لهم من يسخّرهم لخدمتهم من الإنس والملائكة، ويفتح لهم الأبواب المغلقة، فتراهم أينما توجهوا ميسّري الحال، مرتاحي البال، مباركين في الأقوال والأفعال.
هذا الصنف المبارك إذا نزل أرضاً جدباء أنبتت، وإذا جاور قوماً ألّف الله بين قلوبهم، وإذا تحدث ألقى الله لكلماته قبولاً في النفوس، وكأنهم شعاع نور يضيء من حوله.
ليسوا أنبياء، ولكنهم عباد صدقوا في محبة الله والإنابة إليه، فأكرمهم الله بالولاية، وخصّهم بأن جعلهم مفاتيح للخير مغاليق للشر.
إن وجود هؤلاء بيننا رحمة من الله، وتذكيرٌ دائم بأن الخير لا ينقطع في الأمة، وأن البركة الحقيقية ليست في كثرة المال ولا في زخارف الدنيا، بل في صفاء القلب وصدق النية، وفي حياة امتلأت بذكر الله، فعاشت مباركة نافعة لمن حولها.
قال الإمام الشافعي :
إن للَّه عباداً فُطَنا
تركوا الدنيا وخافوا الفتَنا
*********
نظروا فيها فلما علموا
أنها ليست لحيٍّ وطنا
*********
جعلوها لجَّةً واتخذوا
صالح الأَعمال فيها سُفنا
فطوبى لمن جعلهم الله من خاصته، ويا بشرى لمن كتب الله له نصيباً في القرب منهم والدعاء لهم، فهم بحق طاقات نورانية تسير على الأرض، ولكنها متصلة بالسماء.
أحمد القاري
المدينة المنورة
مقالات سابقة للكاتب