الأولياء الأخفياء .. أنوار تمشي بيننا

هناك فئة من الناس اصطفاهم الله تعالى وخصّهم بنفحات من فضله، جعل حياتهم مباركة في كل جانب، في حضورهم تشعر بالسكينة، وفي دعائهم تُستجاب الحاجات، وفي قولهم يفيض الحق، وفي أعمالهم يشرق الخير، وإذا صاحبتهم لحقك الفرج والتيسير، وإن دخلوا أي محل أنعشوه بالبركة، ولو زار مجلساً صدروه برغم كراهيته للظهور.

هؤلاء هم أولياء الله وخاصته، الذين قال فيهم سبحانه: ﴿ ألا إن أولياء الله لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون ﴾.

أناس امتلكوا طاقة روحية ربانية، لا أقول إنها طاقة بالقوة المادية ولا بالمظاهر الدنيوية، بل طاقة البركة التي وهبهم الله إياها، فتراها تتجلى في تجارتهم بيعاً وشراءً، وفي ذريتهم صلاحاً واستقامة، وفي علاقاتهم حباً وقبولاً، بل وحتى في الأماكن التي يحلون بها، فتحيا وتزدهر.

قال تعالى حاكياً عن نبي الله عيسى عليه السلام : ﴿ وجعلني مباركاً أين ما كنتُ وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً ﴾.

ومن صور ولايتهم الخفية أن الله يكتب لهم القبول في الأرض، بعد أن كتبه لهم في السماء، فيجعل للناس في قلوبهم مودة لهم دون معرفة سابقة، ويهيئ لهم من يسخّرهم لخدمتهم من الإنس والملائكة، ويفتح لهم الأبواب المغلقة، فتراهم أينما توجهوا ميسّري الحال، مرتاحي البال، مباركين في الأقوال والأفعال.

هذا الصنف المبارك إذا نزل أرضاً جدباء أنبتت، وإذا جاور قوماً ألّف الله بين قلوبهم، وإذا تحدث ألقى الله لكلماته قبولاً في النفوس، وكأنهم شعاع نور يضيء من حوله.
ليسوا أنبياء، ولكنهم عباد صدقوا في محبة الله والإنابة إليه، فأكرمهم الله بالولاية، وخصّهم بأن جعلهم مفاتيح للخير مغاليق للشر.

إن وجود هؤلاء بيننا رحمة من الله، وتذكيرٌ دائم بأن الخير لا ينقطع في الأمة، وأن البركة الحقيقية ليست في كثرة المال ولا في زخارف الدنيا، بل في صفاء القلب وصدق النية، وفي حياة امتلأت بذكر الله، فعاشت مباركة نافعة لمن حولها.

قال الإمام الشافعي :

إن للَّه عباداً فُطَنا
تركوا الدنيا وخافوا الفتَنا

*********

نظروا فيها فلما علموا
أنها ليست لحيٍّ وطنا

*********

جعلوها لجَّةً واتخذوا
صالح الأَعمال فيها سُفنا

فطوبى لمن جعلهم الله من خاصته، ويا بشرى لمن كتب الله له نصيباً في القرب منهم والدعاء لهم، فهم بحق طاقات نورانية تسير على الأرض، ولكنها متصلة بالسماء.

أحمد القاري
المدينة المنورة

مقالات سابقة للكاتب

16 تعليق على “الأولياء الأخفياء .. أنوار تمشي بيننا

طلال بن حسن خليفة

لافظ فوك أ. احمد ولا جف قلمك وانت ممن يدخلون القلوب وتبتهج بهم النفس

موزه عوض

احسنت استاذ احمد

أحمد زمارة

بوركت وبورك قلمك أستاذنا الحبيب
مقال موفق، ليتنا من هذه الفئة

د.سميرة طاهر بنتن

موضوع جداً جميل ومختلف عن المواضيع الأخرى موضع يوضح ويعلم موضع شيق وجميل ويجذب المرء لقرأته كاملاً

سورجي

ما شاء الله لا قوة إلا بالله كفيت ووفيت الاولياء أهل الإيمان والتقوى الذين يلتزمون بأوامر الله ويجتنبون نواهيه، ولا خوف عليهم في المستقبل ولا حزن عليهم في الماضي، ويتميزون بالقرب من الله والخضوع لطاعته. صفاتهم تتجلى في إخلاصهم لله، ومراقبة الله في شؤونهم، واتباع تعاليم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والتحلي بالتقوى والعمل الصالح جزاك الله خير

عبدالمحسن عبدالعزيز حافظ

ما شاء الله تبارك الله
مبدع كالعادة يا ابو عبدالله .. هنيئاً لهذا القلم انه بين اناملك وما اجمل هذه الاوراق وهي تحمل ابداعاتك

أبو عبد الله

ماشاء الله فعلاً هناك أناس عرفناهم كانوا بهذه الصفة التي ذكرت أستاذ أحمد
أسأل الله أن يبارك في المقالة وفي صاحبها وينفع بها

Ali albaadani

ماشاء الله تبارك الله مقال رائع وملموس في حياتنا اليومية او من معارفنا السابقة.وديننا الحنيف مليئ بمةل هذي الشخصيات .جزاك الله خير الجزاء اخي أحمد ولافظ فوك ولاجف قلمك وابداعاتك

سليمان حافظ

ما شاء الله موضوع شبق ومميز وفقكم الله

حسن عزوز

ما شاء،الله تبارك الله…..موضوع جميل وتعبير أجمل ولمخات فيها شفافية….بارك الله فيكم

انوار

ما شاء الله تبارك الله جميل جدا.
لا ضرر اضافه شي من احاديث رسول الله صل الله عليه وعلى اله وصحبه اجمعين

الشيماء

لا اله الا الله
الله يجعلنا من هؤلاء الأولياء ويجعلنا من المقبولين المباركين أينما حللنا وارتحلنا 🤲🏻

موضوع شيق وجميل بارك الله فيك أستاذ أحمد 🙏

سعود بن سلطان

قرأت المقال مرتين من كثر اعجابي به والكاتب القدير الاستاذ احمد القاري متمكن امكن من زمام الادب والمعارف والعلوم جميعها وهو خير من يمثل اهل المدينه وينقل صورة حسنه عنهم. كل الاحترام لهذا الرجل المبارك وارجو ان يكون له نصيب من مقاله

منى العلوي

أستاذ أحمد القاري
نص أنيق ومعناه نقي 🌿، يرسم صورة مؤثرة للصالحين الذين يملأ حضورهم القلوب سكينة ويحيط حياتهم بالبركة. أسلوبك فيه وقار وعمق، يحمل حكمة تبقى في ذهن القارئ كل ااشكر لهذا الإبداع

عبير

اللهم اجعلنا من الناس البركة
مقال جميل

يوسف

العلاقة بين الزوجين تكاملية وليست تنافسية
شكرا جزيلا على هذا الموضوع والمقال الرائع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *