أصابني الحسد

بعض الأعذار تبدو مريحة لكنها تسرق العمر بصمت.
تُغري صاحبها بالسكينة بينما تسحبه نحو العجز ببطء.
جاني أحدهم ذات مساء… وجهه شاحب وصوته متعب.
قال لي: “كنت متفوقًا في دراستي محبوبا في مجتمعي لكني تغيّرت.
أصابتني عين وحُسدت وكل شيء بعدها انهار.”
كان شابًا جميل الحضور يملك طموحًا يشبه الفجر…
لكن بريقه انطفأ تحت غبار الوهم.
تأملته طويلاً… لا لأبحث عن صدق الحكاية
بل لأفهم كيف يمكن للإنسان أن يستسلم لفكرةٍ تريحه من مواجهة نفسه.
هل يُعقل أن تُهزم الأحلام بنظرة؟
هل تُطفئ العين نور الطموح؟
أم أن الوهم هو من أطفأه حين أقنع صاحبه أن الفشل قَدَر مكتوب لا يُقاوم؟
وما لا يدركه كثيرون أن ما تكرره على نفسك يومًا بعد يوم
يصدقه عقلك فيترجمه إلى طريقة تفكيرك وسلوكك.
فإن ظللت تردد أنك محسود أو مصاب بالعين
تحول شعورك إلى قيدٍ يربطك دون أن تشعر
حتى يغدو الوهم حقيقةً في داخلك وإن لم يكن لها أثر في الخارج.
ثم خطر لي سؤال بسيط لكنه كالسهم في الحقيقة.
لماذا لم نسمع عن غني أو طبيب أو صاحب جاه أو فنان مشهور
رغم كثرة الناظرين إليهم والمعجبين بهم أنهم سقطوا بسبب العين؟
لأنهم لم يُسلموا أنفسهم لوهمٍ داخلي
ولم يعلّقوا هزائمهم على أمرٍ غيبي لا يعلمه إلا الله.
وعجبت لأناسٍ لا يُكاد يرى فيهم ما يُحسدون عليه
لكنهم يوهمون أنفسهم أن العين هي سبب ما هم فيه
بينما آخرون يملكون ما يُلفت الأنظار وما يُغري القلوب بالحسد
ومع ذلك لا يشتكون ولا يتحدثون عن العين
لأنهم مشغولون بالعمل أكثر من التفكير في من ينظر إليهم.
كثيرون يجعلون من الغيب ذريعةً لكسلهم.
فينامون على مهد التبرير وهم يظنون أنهم مؤمنون بالقدر
لكن الحقيقة أنهم فقط خائفون من الفعل.
قلت له يومها بهدوءٍ يليق بالنصح:
“العين حق لكنّ الله أحق بالتوكل.
تداوَ بالذكر لا باليأس
وقاوم بالدعاء والعمل لا بالانسحاب والانتظار.”
رفع رأسه بعد صمته الطويل وقال:
“يمكن كنت أهرب من نفسي أكثر من الحسد.”
ابتسمت وقلت له:
“تمامًا… فالهزيمة لا تأتي من العيون بل من الداخل.
مصارحتك لنفسك تهزم الوهم
وخير وسيلة للعلاج هي المواجهة
فلا أحد يعرفك ويشعر بك كمعرفتك أنت بنفسك.

حسن القحطاني

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *