الرجل الذي باع زوجته!

الحياة ليست سعادة دائمة ولا حزن مقيم.
فالحياة في كينونتها تقوم على الحركة لا السكون، الاضطراب لا الهدوء.
وبالتالي علينا أن نُعمل أنفسنا على تقبلها بتقلبها، وبهذه الكيفية لا الكيفية التي نحلم بها أو نطمح إليها أن تكون عليها حتى وإنْ بذلنا ما في وسعنا للوصول إلى نكهة الحياة التي نريدها وبالمذاق الذي تشتهيه نفوسنا.
فالحياة بهذه الكينونة تقوم على تشكيل نفسها وفق التعددية والاختلاف، وليس وفق النمطية التي ترغبها نفوسنا.
وهي بالتالي قادرة على التشكُّل والتشكيل لكيانها بصرف النظر عن الماهية التي يطلبها الناس منها، ولا يمكن لنا إلا أن نتعامل معها إلا وفق هذا المنظور.
إن الإنسان الذي رزقه خالقه سبحانه وتعالى وعياً عميقاً؛ تكون لديه القدرة على التوازن بين كينونة الحياة وبين كينونتهِ ككائنٍ روحيٍّ يعيش تجربةً بشرية.
وبذلك يمكنه أن يعيش حياةً بها قدر لا بأس به من الإيجابية والإنتاجية.
لذا من المهم أن نصل كلمةً وسطاً بيننا وبين الحياة، ويتأتى هذا الوصول عبر إدراك التوسط والتوازن، فلا يغلب على تفكيرنا ما نريده دون النظر إلى كينونة الحياة ذاتها.
وبهذا التوسط يمكننا الجمع والتوسع بين حياتين، حياة بطبيعتها التي خُلقتْ عليها، وبين الحياة التي خُلقنا؛ لأن نعيشها وفق بشريتنا وروحانيتنا التي تُشكّل عجينة ذواتنا.
وهذا الرشد من الوصول يُمكنُه النفاذ إلى أدق تفاصيل أمور حياتنا وتعاملاتنا، فأنت تتعامل مع شريك الحياة وفق ذات المنظور،ولكن بصورةٍ أكثر عمقاً مما يتطلب منكما الوصول إلى ذات النقطة الوسطى التي تجمع بين بشرية وروحانية كلا الطرفين.
إِنَّ الخطأ الجسيم الذي نقع فيه هو أن يغلب على تفكيرنا ما نريد الوصول إليه، وإغفال ما يكون عليه الطرف الآخر من طبيعة نفسه والعجينة التي شكّلتْ ذاته، فنغدو كقطارٍ يسير بأقصى سرعته متجاهلاً كل الإشارات التي تكون في طريقه.
وهذا يذكرنا بقصة ذلك الرجل الذي وضع لنفسه هدفاً وهو جمع مليون دولار في غضون ثمانية عشر شهراً، وعمل على هذا الهدف، وفي سبيل الوصول إلى هذا المبلغ اضطر إلى إخراج أولاده من مدارسهم؛ ليعملوا بجانبه وهجُّر زوجته. وبالفعل وصل إلى تحقيق هدفه، لكنه في المقابل خسر زوجته التي هجرت البيت، وخسر أولاده مدارسهم؛ فكسب هدفاً وخسر أهدافاً.
إن وعي الإنسان يمكنه أن يصل بصاحبه إلى تشكيل عجيب وفريد لعجينة الحياة، وإنتاج متفرد خاص به يعبر عن كينونته دون المساس بحياة الطرف الآخر. فيجمع لك في مكونات تلك العجينة بين كينونة (الحياة، الشريك) وبين إنسانيتك التي تشمل بشريتك وروحانيتك.

سليمان مُسلِم البلادي
مستشار الوعي الإنساني
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

2 تعليق على “الرجل الذي باع زوجته!

نفاع بن مهنا بن ماضي الصحفي

أساس الحياة الناجحة و المثمرة ” التوازن ” و ذلك ب إعطاء كل جانب فيها ما يستحقه من الاهتمام و العناية و يصدق ذلك ما ورد في الحديث النبوي الشريف ( إن لربك عليك حقا ، و لنفسك عليك حقا ، و لأهلك عليك حقا ؛ فأعطي كل ذي حق حقه ) .

عبدالرحمن الغانمي

مقال ثري. شكرا للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *