يشغل عبء الماضي، وقلق المستقبل حيزاً كبيراً من انتباهنا.
وهذا من شأنه أن يجعلنا نُكثِّف الاهتمام بضرورة تَخلُّقنا باليقظة العقلية.
إن دور اليقظة العقلية يأتي؛ لكي نحرِّر فيها وعينا من الأعباء لعيْش اللحظة الحالية، وهذا يجعل لدينا القدرة على أن نتعامل مع ما هو أمامنا بأكثر فاعلية ممكنة.
إنَّ اكتساب مهارة اليقظة العقلية يساعد على تحويل أنفسنا من العيْش في حالة مستمرة من ردّ الفعل إلى الحالة الواعية للفعل. وهو ما يجعلنا نتصدر المشهد، ونكون نحن المسؤولين عن أنفسنا، ومزاجنا، وأفعالنا، لا العكس.
فاليقظة العقلية تساعدنا في فتْح الباب لرؤية الحياة والآخرين كما هم، في كل لحظة، من دون أعباء الأحكام المسبقة والتوقعات المستقبلية؛ الأمر الذي يُمكنا من البقاء عن قصد في اللحظة الحاضرة عبر أداتين: الوعي والانتباه، حيث يُمدنا الوعي بالمسح العام، والرصد المستمر للخبرة، بينما يزودنا الانتباه بالإحساس بالخبرة، وتعميق التركيز عليها.
وهذا الأمر يتطلب من الإنسان أن يتسم بالانتباه المتمركز على الخبرات التي تمر به سواءً الداخلية أو الخارجية، كذلك يتطلب أن يمتلك القدرة على التعبير عن تلك الخبرات في صورة كلمات وتعبيرات واضحة مفهومة، في الوقت الذي تكون لديه المهارة اللازمة لتحليل المواقف التي يمر به من أكثر منظور، وامتلاكه الصدر الرحب للسماح للأفكار والمشاعر بالتعبير عن نفسها بدلاً من ممارسة الكبت والإقصاء تجاهها.
إن تَخلُّق الإنسان بفضيلة اليقظة العقلية من شأنه أن يجعل الإنسان أكثر توافقاً لرؤية ومعرفة الأشياء كما هي في اللحظة الحاضرة، دون أن تعني هذه الموافقة السلبية، بل تعني فهْم الحاضر بحيث يكون الإنسان أكثر فاعلية في الاستجابة.
كذلك يمنح هذا التَّخلُّق صاحبه تعاطفاً، بحيث يتفهم مواقف الآخرين وفق منظورهم وانفعالاتهم وردود أفعالهم، والتماس العذر لهم في سلوكهم قدر الإمكان بصورة واعية.
كما يجعلنا هذا التَّخلُّق باليقظة العقلية نرى كيف تقوم أفكارنا بقيادة مشاعرنا وسلوكنا، وأننا بحاجة ماسّة إلى إعادة الاتصال بأجسامنا والأحاسيس التي نشعر بها.
ولعلَّ من جميل ما يمنحنا هذا التَّخلُّق أننا نعيد النظر إلى أفكارنا على أنها حدث دماغي، وليست واقعاً موضوعياً يمتلك تلك القدرة الخارقة في السيطرة علينا، إلَّا إذا سمحنا بذلك.
سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@
الحلقات السابقة من روشتة وعي