المثقف الاستثنائي

لا يمكن لأي نهضة فكرية أو ثقافية أن تزدهر دون وجود شخصيات ثقافية قادرة على استثارة الخيال الجمعي للمجتمع، ودفعه نحو الإبداع والابتكار، فالتنمية الثقافية ليست مجرد نشرٍ للكتب، أو عقدٍ للندوات، والحوارات، بل هي عملية ديناميكية تستهدف تغيير أنماط التفكير وإطلاق العنان للخيال الخلّاق الهادف المنضبط، مما يؤدّي إلى ازدهار الآداب والفنون والفكر النقدي، إضافة إلى تحويل الأفكار إلى واقع ملموس يسهم في تنمية المجتمع وتحسين جودته ورفاهيته.
 
إن المثقف الحقيقي هو الذي لا ينعزل في برج عاجي عن مجتمعه ولا يدرك همومه ومشكلاته واحتياجاته، بل يكون في قلب الحدث، يمارس دوره التوعوي والتنموي في محيطه كما يمارس دوره المعرفي، فالمثقف الحقيقي ليس من يحفظ الاقتباسات أو يخوض نقاشات نظرية بلا نهاية، بل هو ذلك الشخص الذي حينما يرى مشكلة في مجتمعه، يفكر، ويبحث، ثم يبتكر حلاً لها.
 
ويعد الدكتور عبد الرحمن بن عبد اللّه المشيقح مثقفًا استثنائيًا لما يتمتع به من عمق معرفي وتنوع ثقافي، كما أنه يجمع بين المعرفة والخبرة العملية في مجالات متعددة، من الثقافة والتعليم إلى الاقتصاد والمجتمع وقضاياه.
 
إن تميزه يتجلى في قدرته على الربط بين الماضي والحاضر، والاستفادة من التراث في صياغة رؤى مستقبلية.
 
كما أنه يدعم المبادرات الثقافية والتنموية بشكل مستمر. يتميز بأسلوب يجمع بين العمق والبساطة، مما يجعله مؤثرًا في مختلف الأوساط الفكرية والمجتمعية. فهو شخصية غزيرة الإنجازات والعطاء في شتى المجالات التي مر بها وعمل فيها.”
 
فهو نموذج استثنائي يجسد توازنًا دقيقًا يصعب على الكثير من الناس الحفاظ عليه، إلا من أولئك الذين يجمعون بين العلم الواسع والمعرفة العميقة والتجربة الميدانية الغنية، مع قدرة على بناء علاقات إنسانية متينة. إنه نوع من التوازن الذي لا يتحقق إلا عبر تضحيات ومعاناة طويلة، وهو ما يميز كبار المفكرين والمثقفين الذين وضعوا بصمتهم في المجتمع. فهو يمثل نموذجًا رفيعًا للمثقف الذي جمع بين العلم والعمل والمعرفة الواسعة وبين القيم الإنسانية السامية.
 
كما أنه لديه رؤية متكاملة للتنمية تجمع بين الفكر والتطبيق، يدمج فيها بين التعليم والاقتصاد والصناعة التي تجدها في كتابه الماتع “سطور في التنمية، إيمانا منه بأن النهضة الحقيقة لا تقوم إلا على الركائز الثلاث معا .
 
فالدكتور المشيقح لم يكن مجرد مفكر أو أكاديمي أو مؤلف فحسب، بل أيضًا رجل أعمال بارعًا أسهم في إنشاء وتطوير العديد من المؤسسات الصناعية والزراعية والتجارية والتعليمية والصحية والتي تعد إضافة اقتصادية ومجتمعية. وقد حرص على أن تكون هذه المشاريع ذات أثر تنموي ملموس، تسهم في خلق فرص عمل وتعزز من قيمة الاقتصاد.
 
حيث استطاع تحويل مخزونه الثقافي إلى واقع ملموس، وذلك بمساهمته مع زملائه في إنشاء صروح تعليمية ومنها جامعة المستقبل التي تضم العديد من التخصصات الطبية والهندسية والإدارية، وكذلك المساهمة في إنشاء جامعة منار الشمال في منطقة حائل، والتي من المتوقع أن ترى النور قريباً بإذن الله، والمشاركة في تأسيس المستشفيات مثل مستشفى القصيم الوطنيالذي وضع نواته مع مجموعة من رجال الأعمال المخلصين، ومراكز البحوث والتطوير ومنها مركز الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله المشيقح للبحث علمي والابتكار الذي أوقفه في التعليم العام خدمة للموهوبين والمتميزين ويضم تخصصات نوعية متميزة في الكمياء والفيزياء وعلوم الفضاء والطيران والذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة. إضافة إلى وقف تعليمي يتمثل في مدرسة بشمال مدينة بريدة.
 
كما أنه لم يدخر جهدًا في دعم وإنشاء المكتبات العامة، والمتخصصة، مثل مكتبته الخاصة، ومكتبة للمكفوفين باسم والده الشيخ عبد الله المشيقح، ومكتبة في سجن عنيزة، وقد خصص جائزة للموهوبين والموهوبات في التعليم العام بمنطقة القصيم، وكذلك مسابقته الأدبية الشهيرة التي سمقت من المحلية إلى الدولية.
 
إضافة إلى صالونه الأدبي المعروف باسم أربعائية المشيقح’، حيث عُقدت فيه لقاءات ومحاضرات وندوات وحوارات اهتمت بالشؤون الوطنية والاجتماعية والاقتصادية، وأثرت الساحة الثقافية.
 
ولم يكن مصدر الثقافة والأدب بمدينة بريدة ببعيد عن اهتمامه، فقد كان عضوًا فاعلًا في مجلس إدارة نادي القصيم الأدبي مدة 27 عام ، قدم فيها مع زملائه خدمات جليلة إلى رواد الأدب والثقافة بمنطقة القصيم وخارجها.
 
أما في المجال البيئي فقد ألف معجما ضخماً للمصطلحات الزراعية والبيئية الحائز على جائزة وزارة الثقافة والإعلام، إلى جانب دعمه للمشروعات البيئية والتي حصل من خلالها على جائزة الأميرة صيتة بنت عبد العزيز للتميز في العمل الاجتماعي في دورتها الحادية عشرة لعام 2023، وذلك في فرع الاستدامة البيئية (للجهات والأفراد)، تقديرًا لتبنيه ودعمه للبرامج والمبادرات البيئية.
 
أما مساهماته المجتمعية فتتضح جليا من خلال دعمه للعديد من المناسبات والفعاليات واللقاءات في منطقة القصيم وغيرها، والتي تتمثل في مئات الدروع وشهادات التقدير التي منحت له من خلال تلك المساهمات والمناسبات قرابة نصف قرن من الزمان والتي يحتفظ بها في مكتبه، إضافة إلى العديد من المساهمات الخيرية.
 
إن الشخصيات الثقافية المتميزة ليست مجرد منتجي أفكار أو مؤلفي كتب، بل هي محرك أساس لتطوير المجتمعات من خلال دورها الفاعل في تعزيز المؤسسات الثقافية والتعليمية والمجتمعية. فهي تسهم في إنشاء مراكز الأبحاث، وتأسيس دور النشر، وإطلاق المبادرات الفكرية التي تهدف إلى نشر المعرفة، وتوسيع آفاق التفكير البناء، وتعزيز الوعي الجمعي. ولا يقتصر تأثيرها على المجال الأكاديمي فحسب، بل يمتد إلى رسم السياسات الثقافية والمشاركة في الحوارات العامة التي تهدف إلى جعل الثقافة عنصرًا أساسيًا في بناء الهوية المجتمعية وتشكيل مستقبل الأجيال القادمة.
 
فالدكتور المشيقح ليس مجرد مراقب أو ناقد، بل مساهم في صناعة القرار، ومشارك تقديم رؤى تسهم في نهضة المجتمع، حيث تتجلى بصمته في كل مناحي الحياة الفكرية والتعليمية والاجتماعية، من خلال مؤلفاته ومنشآته وإسهاماته؛ مما يدل على اهتمامه بالعلم والمعرفة والتطوير، التي هي ركائز في بناء أي مجتمع واعٍ ومنتج.
مقالات سابقة للكاتب

تعليق واحد على “المثقف الاستثنائي

Elhassan Abdelkhalek

ما شاء الله متألق دائما ابو حور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *