لكل شيء في الحياة جانبان، جانب النور وجانب الظلام.
وهذا الأمر يبدو تمريره على الإنسان، فهناك من يعيش حياته بنفسٍ سوية وسليمة، بينما يعيش غيرهم حياته بنفسٍ مُعْتلة مريضة عندما يتمكن ثلاثة وحوش كاسرة من هذه النفس الإنسانية؛ لتُحيّلها إلى أداة أذى لها ولغيرها؛ عندها تمسي هذه النفس مثل مثلث برمودا تفقد فيه طبيعتها الأصيلة،وفطرتها السويّة؛ كلما تمكنت تلك الوحوش من نهْش جسدها وتمزيقه إلى أشلاء متفرقة.
وأول هذه الوحوش الكاسرة،”النرجسية”
التي تنشأ من عوامل تربوية، والحرمان العاطفي المبكر، والبيئة الاجتماعية التي تركز على المظاهر والمكانة أكثر من القيم الإنسانية.
والنرجسية موجودة عند كل إنسان بدرجات بسيطة. فالطبيعية منها تتسم بحب ذات صحي، وتقدير متوازن للنفس. بينما تتصف النرجسية المرضية بالأنانية المفرطة، واستغلال الآخرين، وقلة التعاطف.
وثاني هذه الوحوش، “الميكيافيلية”، وسُمّيتْ بهذا الاسم نسبةً للفيلسوف نيكولو ميكافيلي صاحب كتاب الأمير، الذي ركّزَ على المكر والخداع، والسيطرة كوسائل للوصول للسلطة.
ويتصف الشخص الميكافيلي بالميل للتلاعب بالآخرين؛ لتحقيق أهدافه، واستغلال الناس بذكاء ودهاء دون الشعور بالذنب، وانعدام الأخلاقية، فهو يرى أن الغاية تبرر الوسيلة، كما يتصف بالبرود العاطفي، والأنانية المفرطة.
وثالث هذه الوحوش، “الاعتلال النفسي”، وهو اضطراب في الشخصية يتميّز بخلل عميق في المشاعر والتصرفات الاجتماعية، مع وجود أنماط ثابتة من الاندفاع، وانعدام التعاطف، وقسوة في التعامل مع الآخرين، والسلوكيات المعادية للمجتمع.
ويتصف صاحب الاعتلال النفسي بغياب التعاطف، وعدم الشعور بالذنب، أو الندم عند إيذاء الآخرين، وبالخداع والتلاعب، وبالسلوك الاندفاعي، والعدوانية والعنف.
ويمكن التعامل مع كل واحد من هذه الوحوش، فالنرجسي لابد أن تضع له حدوداً واضحة، فلا تسمح له باستغلالك عاطفياً أو نفسياً، وتجنَّبْ الجدال الطويل معه
والتعامل مع الميكافيلي يكون عبر الانتباه لوعوده وكلامه المعسول، ومراقبة أفعاله أكثر من أقواله، وعدم الإفصاح عن نقاط ضعفك.
ويكون التعامل مع المعتل نفسياً من خلال أخذ الحذر منه دائماً، وعدم الثقة بالمظاهر (الجاذبية السطحية)، والمحافظة على مسافة آمنة معه، ويكون التعامل معه في بيئة العمل عبر توثيق أي تعامل معه لتجنب الضرر.

سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@