من جميل ما تربينا عليه في ذلك الجيل الذهبي الذي دائماً ما يطلق عليه زمن الطيبين وفي الحقيقة في كل زمان ومكان هناك طيبون ولكن لأن ذلك الزمن لم ينشغل الناس بما هم عليه الآن من كثرة متطلبات الحياة حتى ليكاد المرء ينسى نفسه عوضاً عن إخوانه وجيرانه وأقاربه ففي زمننا هذا يتسارع الوقت ومن ثم يتسارع الناس ليدركوا شيئا يظنونه فاتهم أو على وشك أن يفوتهم الكل مشغول بماذا لا ندري فقط يقول والله مشغول فإن سألته بما أنت مشغول يحتار في الإجابه لأنه إذا فكر ملياً وأراد أن يجيب لا يجد أمامه أي جواب عن هذا السؤال فليس هناك أمر ضروري جداً حتى ينسى الناس بعضهم ولا أدري هل الجواب عن هذا السؤال له حقيقة أم اننا نتوهم بأننا مشغولون جداً وما دام الأمر كذلك نسأل سؤال آخر كيف وجدنا من الوقت ما نقضي فيه الساعات الطوال خلف هذه الأحهزة ونتفقد كل أنواع التطبيقات التي في أجهزتنا فهل فعلاً نحن مشغولون؟ سأترك لكل واحد منا الإجابة بصدق وواقعية وشفافية ولتتسع صدورنا لقول الحقيقة مجردة فسوف نُصدم من الجواب على أنفسنا وسوف نكتشف أن لدينا من الفراغ إذا حسبنا الساعات التي نقضيها خلف اجهزتنا، ولقد أصابتني الدهشة حين قال لي أحدهم أن لديه في تطبيق الواتس آب وحده ما يربوا عن خمسين من (القروبات) او المجموعات وكنت أحسبه يبالغ كما هو حال البعض الذي يتباهى بكثرة أي شيء فإذا بي أكتشف أن هناك غيره لديه عشرات أخري فوق ماذكر فتعجبت كثيراً وأنا هنا لا أتحدث عن أصحاب قروبات العمل والعلم والدراسة وكل ذي فائدة فهؤلاء مستثنون مما نقول ونعني، إذن قولنا أن ليس لدينا وقت فراغ فهذه الإجابة ربما تكون بعيدة عن الشفافية والمصداقية وكلنا ذلك الإنسان ولا أبرئ نفسي والخوف كل الخوف أن نستيقظ ذات يوم فإذا بنا نتفاجأ بأننا فوتنا أوقاتاً كثيرة فيما لا طائل منه ويصدمنا السؤال ( وعن عمره فيما أفناه) بربكم الأ يرعبنا ويروعنا هذا السؤال، إذن ما رأيكم أن نعود قليلاً إلى الفطرة ونتفقد إخواننا وأهلينا وجيراننا وبرغم هذا الكلام المرعب فالحمد لله نحن نرى إخوة لنا ونرى بعضنا يومياً في المساجد وهو المكان ربما الوحيد الذي نستطيع أن نترك فيه إجهزتنا لنخلوا قليلاً إلى ربنا وخالقنا أليس كذلك إذن هناك بصيص من أمل في أخر النفق المظلم نعم هناك أمل إن أدركنا أنفسنا ووضعنا لأنفسنا جدولاً بالأولويات كي لا نفقد أحبائنا وأهلنا وأقاربنا وأصدقائنا فنحن لا نستطيع أن نعيش هكذا بدون إخوة واقارب وجيران لأن الفطرة تقول غير ذلك ولأن أبانا أدم عليه السلام عندما خلقه الله مكث ما شاء الله له أن يمكث فأحس بالوحدة واشتاق إلى ونيس أو أنيس فخلق الله له من ضلعه أمنا حواء ليسكن إليها وهكذا استمرت البشرية فزادت وتكاثرت إلى أن وصلنا لهذا العدد الهائل من البشر وهذه سنة الحياة والفطرة التي فطر الله الناس عليها (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).
وفي الختام فإن مقالي هذا لا أنتقد فيه أحد فكلنا ذلك الإنسان وإنما عملاً بقول الله تعالى ( وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (3)
فلتتسع صدورنا وتتقبل الحق والحقيقة….
فاللهم ردنا إليك رداً جميلاً.
إبراهيم يحيى ابو ليلى
مقالات سابقة للكاتب