بينما تُعدّ بيئة العمل الصحية ركيزة أساسية للإنتاج والإبداع، تمثل البيئات السامة تحديًا صامتًا يهدد الصحة النفسية للموظف ويقوّض استقرار المؤسسات. فمكان العمل ليس مجرد مكاتب وجدران، بل منظومة قيم وعلاقات وممارسات تحدد مدى رضا الفرد عن ذاته وانتمائه لمكان عمله.
ماهي بيئة العمل السيئة
تُعرف بيئة العمل السيئة بأنها البيئة التي يفتقد فيها الموظف الشعور بالأمان النفسي، ويتعرض فيها لمعاملة غير منصفة أو لتسلّط إداري، أو تسودها ثقافة الخوف والغموض. وتتجلّى مظاهرها في عدد من الممارسات التي تُضعف روح الفريق وتكسر الدافعية، من أبرزها:
- سوء القيادة والإدارة:
عندما يغيب التقدير وتُستبدل الثقة بالتسلّط، يشعر الموظفون بأنهم مجرد أرقام.
- غياب العدالة والمساواة:
حين ترتبط الترقيات والمكافآت بالمحاباة بدل الكفاءة، يتراجع الحماس ويضعف الإحساس بالانتماء.
- التنمّر الوظيفي والضغط الزائد:
الإهانة، التقليل من القدرات، أو تكليف الموظف بأعباء تفوق طاقته دون تقدير، كلها صور مؤذية شائعة.
- ضعف التواصل الإداري:
انعدام الشفافية وغياب القنوات الواضحة للتواصل يولّد سوء فهم وإشاعات، ويخلق أجواء من التوتر والشك.
- إهمال الصحة النفسية للموظفين:
بعض المؤسسات تتعامل مع الضغط المستمر وكأنه “جزء طبيعي من العمل”، دون إدراك أن تراكمه يقود إلى الانهاك النفسي وفقدان الحافز.
انعكاسات نفسية خطيرة
يؤكد مختصون في علم النفس التنظيمي أن البيئة السامة في العمل تخلّف آثارًا نفسية وجسدية خطيرة، أبرزها:
- الاحتراق الوظيفي:
حالة من الإنهاك العقلي والعاطفي يفقد فيها الموظف الرغبة في العمل أو التطور.
- القلق والاكتئاب:
الشعور الدائم بالضغط والتقليل من الذات يؤدي إلى اضطرابات مزاجية قد تمتد للحياة الشخصية.
- ضعف الانتماء المؤسسي:
الموظف في بيئة غير عادلة يفقد ولاءه، ويفكر في مغادرة المكان بحثًا عن التقدير.
- تدهور العلاقات الإنسانية:
التنافس السلبي وتبادل الاتهامات يحلان محل روح الفريق، فتتحول بيئة العمل إلى ساحة توتر دائم.
نحو بيئة عمل صحية
يرى خبراء الإدارة النفسيين أن إصلاح بيئة العمل يبدأ من القيادة، عبر ترسيخ ثقافة العدالة والاحترام، ووضع أنظمة واضحة للمساءلة والمكافأة. كما يُوصى بـ:
- تدريب القادة على مهارات التواصل والتحفيز.
- إنشاء قنوات آمنة لتلقي الشكاوى والملاحظات.
- تبنّي برامج دعم نفسي ومهني للعاملين.
- تعزيز مبدأ الشفافية في القرارات الإدارية.
خاتمة
بيئة العمل ليست مجرد إطار مادي لأداء المهام، بل هي كيان نفسي وإنساني يؤثر في جودة الحياة بقدر ما يؤثر في الإنتاج.
فحين تسود العدالة والاحترام، يُزهر العطاء وتتحول المؤسسات إلى بيئات جاذبة للموهبة والإبداع. أما حين تُهمَل الصحة النفسية، فإن الخسارة لا تطال الأفراد وحدهم، بل تمتد إلى أداء المؤسسة والمجتمع بأسره.
تركي سالم الشريف
مقالات سابقة للكاتب