فيزياء الكسل.. كيف تنزع نفسك المغموسة في السرير؟!

للكسل فيزياؤه الخفية، وقوانينه التي لا تُدرَّس في المعامل، بل تُكتشف في صباحٍ ثقيلٍ يضيق فيه الصدر عن الفعل.
في تلك اللحظة، يبدو الإنسان مغموساً في سريره، كجسمٍ سكن طويلاً حتى التصق بالأرض، لا يفتقر إلى الطاقة، بل إلى الدفْعة الأولى التي تُحرّره من مدار الركود.
فالنفس، كالمادة، تخضع لقصورها الذاتي؛تميل إلى البقاء حيث هي، لا لأن السكون راحة، بل لأن الحركة تُخيفها، ولأن الأمان الزائف أيسر من مواجهة التغيير.
الكسل إذن ليس فراغاً في الطاقة، بل هو طاقة مكبّلة، تدور في دائرة مغلقة من التردّد والانتظار.
إنه مقاومة ناعمة للتبدّل، يتخفّى فيها الخوف بثوب الراحة، ويختبئ فيها الضعف تحت اسم “الاستقرار”.
وكما يحتاج الجسم الساكن إلى قوة تكسر سكونه، تحتاج النفس إلى ومضة من الإرادة، إلى عملٍ صغير يُحدث في داخلها ارتجاجاً طفيفاً يعيدها إلى الوعي بالحركة: خطوةٌ نحو النور، أو ترتيبٌ لمواضع الفوضى، أو فكرةٌ تُكتب قبل أن تفلت.
ذلك الفعل اليسير لا يُبدّل المشهد فحسب، بل يُعيد ترتيب الزمن نفسه؛ إذ يتحوّل اليوم من دائرةٍ مغلقة إلى خطٍّ يمتد نحو الحياة.
ثمّ يحدث ما يشبه المعجزة: يتحوّل الجهد إلى زخم، والزخم إلى طاقة، والطاقة إلى لذّةٍ في الفعل ذاته.
ويغدو الإنسان حينها في حالة دورانٍ متناغم، ككوكبٍ وجد أخيراً مساره بعد طول اضطراب.
هي لحظة الانعتاق من جاذبية الكسل، لحظةٌ لا تعني مجرد النهوض، بل استعادة السيادة على مدار النفس والزمن معاً.
ولعلّ سرّ الأيام الناجحة لا يكمن في كثرة الإنجاز، بل في تلك الشرارة الأولى التي تُضيء ظلمة الصباح.
فمن غلب لحظة السكون؛ غلب يومه بأكمله، ومن أدرك أن الإرادة لا تُمنَح، بل تُولّد بالحركة ذاتها؛ علم أنّ خَلاصه يبدأ من تلك الخطوة الصغيرة التي تسبق كل انطلاقٍ عظيم.

سليمان مُسْلِم البلادي

الحلقات السابقة من روشتة وعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *