نظرة بعض الأغنياء إلى الفقراء

♦ الملخص:

امرأة توفي زوجُها وترك لها أولادًا، تعيش في بلد غربي، تشكو جفاء أقارب زوجها وصديقاتها، فكلهم لا يهتمون بأمرها وأمر أطفالها، وينظرون إليهم نظرة ازدراء بسبب وضعهم المادي، وتسأل: كيف تتعامل معهم؟

♦ التفاصيل:

السلام عليكم ورحمة الله، أنا امرأة توفي زوجي، أُقيم في بلد غربي مع أطفالي، وذلك بسبب الوضع المادي، مشكلتي لها شقان: الأول: مرض ابنتي، والثاني: تعامُل أقارب زوجي الذين يسكنون معي هذا البلد الأجنبي، ذلك أني أذهب إليهم في مناسباتهم كلها، أما هم فلا يأتون إليَّ في شيء، أنا بطبعي لا أحب الاختلاط كثيرًا، خاصة أني أرملة وأريد المحافظة على سمعتي وبيتي وأطفالي.

ما أهمَّني أنهم في أفراحهم وأعيادهم ومناسباتهم يقدمون الدعوة إلى بعضهم، لكني لا أعرف لماذا يحجبونني عن مجالسهم أنا وأطفالي، أحزن على أطفالي؛ لأنهم يحتاجون إلى أقارب وعائلة في بلد الغربة، يقدمون الدعوة لمن هم أصحاب مصالح وأغنياء، لكن الفقراء لا مكان لهم.

نحن نحتاج إلى مَن يُعيننا في الغربة، وقد كان لي صديقات من نفس البلد وأقارب لزوجي، ولكن بعد وفاته تغيَّرنَ وأصبحنَ لا يأتينَ إلى بيتي، وإذا أتينَ إليَّ في مناسبةٍ ما، لا يُعجبهنَّ البيت، أو الأشياء التي أُقدِّمها لهنَّ، فهنَّ يَشترطنَ عليَّ ما يأكلنَ أو يشربنَ، ذات مرة أعددتُ لإحدى صديقاتي القهوة، لكنها تركتْها ولم تشرَبْها، ولَما سألتُها: لماذا لم تَشرَبي القهوة؟ قالت لي: أنا لا أُحب أن أشرب من هذه الماكينة، لدي ماكينة في البيت سعرها كذا وكذا، حينها عرَفتُ أنها تتعامل معي بالمستويات، ومِن ثَمَّ ابتعدتُ عنهنَّ لأنهنَّ لا يُمكن أن يكنَّ صديقات وقت الشدة، والآن أنا أعاني فراغًا كبيرًا في حياتي.

أُشفق على أطفالي لأنهم مثلي، أولاد الأغنياء يلعبون مع بعضهم، ويتجنبون أولادي، وأهلي لا أحد يتصل علي، فقط والدتي تتكلم معي كل شهرين، تعبتُ من عيشة لا مكان للفقراء والطيبين وأصحاب القلوب النظيفة فيها، فكيف أتعامل مع هؤلاء الناس؟ وكيف لا أعيرهم اهتمامًا خاصةً أنني حساسة؟ جزاكم الله خيرًا.

الجواب :

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين:

ملخص مشكلتك: أنك أرملة توفي زوجك، وتعيشين في بلاد غربة نظرًا لظروفك المادية، وفي وسط عائلة كلهم أقارب زوجك، ولا يعطونك أي اهتمام في أفراحهم وأتراحهم، وأنت تقابلين إساءتهم بالإحسان في زيارتهم وتقديم الواجب، مع أنك مهتمة بطاعة ربك وتربية أولادك، وأنكِ امرأة حساسة تتأثرين بأي موقف، وتسألين كيف أتعامل مع هؤلاء الناس وأريح نفسي من هذا القلق النفسي.

أختي الكريمة، بدايةً أسأل الله العلي القدير أن يفرِّج همَّك، وينفِّس كربك، ويُذهب حزنك وغمَّك، ويُلهمك الصبر على فقد زوجك، ويعينك على تربية أولادك، ويجعلهم من الصالحين، ويرزُقك برَّهم وخدمتهم، ويشفي بنتك المريضة.

وأوصيك بالآتي:

♦ احمدي الله تعالى على نعمته أن رزقك هؤلاء الأولاد، فكم من النساء من تتمنى نعمة الذرية فلا يحصل لها؛ قال تعالى: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾ [سورة الشورى: 49-50].

فالأولاد نعمة إذا أحسنتِ تربيتهم على طاعة الله ورسوله، فإن ابتلاك الله بفقد الزوج فقد ترك لك أولادًا هم نعمة وزينة في الحياة الدنيا: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ [الكهف: 46].

فاشكري الله تعالى وأثني عليه الخير كله، واسأليه التقوى والصلاح للذرية.

♦ هذه الغربة التي تحدثتِ عنها سواء كانت غربة الوطن، أو غربة الدين والتمسك به، أو غربة بين الأقارب بعدم التقدير والاهتمام، خاصة أنك لَديك أيتام، كل ذلك من الابتلاء والتمحيص للإنسان، فما عليك إلا أن تصبري على هذا البلاء وتقابلي الإساءة بالإحسان: ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت: 34].

واعلمي أن ذلك كله لك خير؛ كما جاء في حديث أبي يحيى صهيب بن سنان أنه قال: قال: سول الله صلى الله عليه وسلم: (عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له)؛ رواه مسلم.

♦ كوني إيجابية دائمًا، ولا تعلقي حياتك بالناس، رضوا عنك أو سخطوا، دائمًا قدمي لهم الكلمة الطيبة والصلة الحسنة، من أجل الله ليس من أجل البشر، وكوني واصلة لهم ولا تقطعيهم مقابل إساءتهم لك أو عدم احترامهم؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أَنَّ رجلًا قَالَ: يَا رَسُول اللَّه، إِنَّ لِي قَرابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُوني، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِم وَيُسِيئُونَ إِليَّ، وأَحْلُمُ عنهُمْ وَيَجْهَلُونَ علَيَّ، فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ المَلَّ، وَلا يَزَالُ معكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلكَ؛ رواه مسلم. ومن حديث أَنسٍ رضي الله عنه: أَنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ أَحبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ في رِزقِهِ، ويُنْسَأَ لَهُ في أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ؛ متفقٌ عَلَيهِ.

♦ إن سنحت لك الفرصة وتقدَّم لك خاطب ترضين دينه وخلقه، وإن كان يكبرك سنًّا، فلا تتردَّدي في قَبوله، ولا تهتمي بكلام من يقولون: نسيت زوجها المتوفى، فذلك ليس من الدين في شيء، فالزوج يؤنِس وحشتك، ويقوم برعايتك وأولادك، ويعمل على حمايتك، ويعينك على طاعة ربك، وأمور الحياة الدنيا.

♦ حاولي أن تستغلي فراغك في حفظ القرآن الكريم، أو الانضمام الى دُور اجتماعية، فتتطوَّعي معهم بتقديم ما لديك من خدمات اجتماعية، على أن تكون هذه الدور محافظة وبعيدة عن المنكرات والمعاصي.

♦ أنتِ عزيزة بفضل الله عليك، فكوني متوكلة على الله، مفوِّضة الأمر له سبحانه، ملازمة لتقواه: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3].

♦ اختاري من الصديقات الصالحات المؤمنات، فلا بد أن تجدي من يعينك لله تعالى، ويقف معك ولو كانت واحدة أو اثنتين، فيمكن توطيد الصلة بهنَّ والتعاون معهنَّ على البر والتقوى.

♦ تضرَّعي لله تعالى بالدعاء الصادق أن يفرِّج همَّك ويَجبُر كسرك، ويبارك في عمرك وأولادك، ويكفيك شر الأشرار وكيد الفجار.

♦ حافظي على فرائض الله تعالى بدءًا بالتوحيد والبعد عن الشرك والصلوات الخمس، وتقربي لله تعالى بعد الفرائض بالنوافل، فإن الله تعالى يحب من عبده أولًا إقامة الفرائض، ومن ثم النوافل؛ حتى يحبه الله، فإذا أحببه الله استجاب دعاءه، وجعل له القبول في الأرض؛ ففي الحديث القدسي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ: منْ عادى لي وَلِيًّا، فقدْ آذنتهُ بالْحرْب، وَمَا تقرَّبَ إِلَيَ عبْدِي بِشْيءٍ أَحبَّ إِلَيَ مِمَّا افْتَرَضْت عليْهِ: وَمَا يَزالُ عَبْدِي يتقرَّبُ إِلى بالنَّوافِل حَتَّى أُحِبَّه، فَإِذا أَحبَبْتُه كُنْتُ سمعهُ الَّذي يسْمعُ بِهِ، وبَصره الَّذِي يُبصِرُ بِهِ، ويدَهُ الَّتي يَبْطِش بِهَا، ورِجلَهُ الَّتِي يمْشِي بِهَا، وَإِنْ سأَلنِي أَعْطيْتَه، ولَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَّنه؛ رواه البخاري.

أسأل الله العلي القدير أن يرزُقك التقوى، وأن يُصلح شأنك، ويشرَح صدرك، ويُذهب همَّك وغمَّك، ويبارك في ذريَّتك بالصلاح والتقوى، إنه جوَاد كريم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد.

المستشار الأسري

د. صلاح محمد الشيخ
دكتوراة من الجامعة الاسلامية كلية الدعوة وأصول الدين – قسم التربية 
ماجستير  من جامعة أم القرى – كلية التربية – قسم التربية 
دبلوم المستشار الأسري 
دورة مهارات تقديم الاستشارات الأسرية عبر الهاتف
خبرة في مجال التربية والتعليم تزيد عن ٢٦ سنةً
 
لاستقبال استشاراتكم الأسرية الرجاء الإطلاع على الرابط التالي : https://ghrannews.com////////////?p=169502

2 تعليق على “نظرة بعض الأغنياء إلى الفقراء

MOHAMMAD aLBASHRI

قد وفقت في الاستشاره والرد لا فض فوك وسملت
والنصيحه جدا جميله ومعبره وذات اوجه عده تفيد في
كل النواحي بارك الله فيك

سعدى ضحا

دوام الحال من المحال

ولسان الحال أصدق من لسان المقال

ولتزمي ب النصيحه قدر المستطاع أو بحذافيرها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *