خط جميل.. أحسنت

أستاذة، ما رأيك في خطي؟
جميل ومريح للعين، ولا يمكن أن يُنسى.
هل لي بطلب أو سؤال؟
طبعا، تفضلي.
لماذا لا تكتبين لنا عبارات تشجيعية عندما تصححين كراسات الواجب؟

وفاجأني الطلب الذي صاغته طالبتي على هيئة سؤال.

كان هذا في العام الأول لي في مسيرة التعليم؛ أجمع دفاتر الطالبات وأصححها بوضع علامة صح مع توقيعي، هكذا تعامل أصم، لا أبني به أي جسر من العلاقة بين طالب ومعلمه، حتى جاءني ذلك السؤال أو الطلب منها.

انتبهت وعرفت وتعلمت ضرورة أن تقول كلمة شكر، كلمة طيبة، كلمة تحفيزية لكل من حولك، فكيف الحال مع طلابك؟

عقول تقدم لهم خبرات عقلك، وتقدم لهم مفاتيح لأقفال مغلقة لتنطلق عقولهم، وتعطي حياتهم المستقبلية وتفاعلهم مع المجتمع أفضل ما عندها. هذه الكلمات التحفيزية، مثل «بارك الله فيك»، و«أحسنت»، و«ممتاز»، تُخرج أجمل طاقات الطلبة، تعزز ثقتهم بأنفسهم، وتعمق شعورهم تجاه معلميهم.

ولا أدري لماذا كنت أتعامل بذلك الجمود مع طالباتي، كان جمودا غير مُبرر، لا مبالاة بنت الحواجز بيني وبينهن، حتى جاء ذلك التساؤل. وعلى إثره كتبت في كراسات الطالبات عبارات تحفيزية، منها: بارك الله فيك، أحسنت، أسعدني اهتمامك، طالبة رائعة، دائما متميزة.. وما أدراكم ما فعلت تلك العبارات!!

ارتسمت ملامح الرضا على وجوههن، وحلق بهن الطموح عاليا، تلك العبارات فتحت لي طريقا إلى قلوبهن وعقولهن.

فيما بعد، وبعد سنوات من احتراف التعليم، استطعت التقاط ملامح الطالبة المُرهَقة، والمريضة، والتي تعاني، بل وحتى ملامحهن الخائفة من اختبار ما.

لم تكن هذه هي الملاحظة الوحيدة على جمودي مع الطالبات في الفصل؛ وجهت لي المشرفة التربوية هذه الملاحظة بعد حضورها حصة من الحصص. توجهت إليها بعد الحصة لأسمع ملاحظاتها، دخلت مبتسمة، فكانت أول عبارة قالتها: «أنتِ صاحبة ابتسامة جميلة؛ لماذا تحرمين طالباتك منها؟».

«وأنتِ تسمعين إجاباتهن حفزيهن بعبارات ممتازة، أحسنتِ، أطلقي عليهن الألقاب المحفزة اللطيفة. هذا سيجعل طالباتك ناجحات طموحات»، وفعلا كان.. بدأت بالابتسامة والعبارات التحفيزية.

وأطلقت العبارات التي تُرضي طموحهن؛ فتلك الخنساء لأنها تحفظ وتلقي الشعر بطريقة مميزة، وتلك مذيعة مفوهة، وهذه حمامة السلام، وهناك الطبيبة، وحفيدة سيبويه، وتلميذة الكسائي، والرسامة، ومهندسة الديكور، ومصممة الأزياء.. وفعلت تلك النعوت بطالباتي الأفاعيل.

تذكرت معلمة الجغرافيا التي كانت ترسم خريطة العالم على السبورة بعينين مغمضتين، وتُعجَب جدا بإجاباتي، وتنبأت لي بأن يكون تخصصي جغرافيا مثلها.

ومعلمة علم الاجتماع، التي ما إن تنتهي من الدرس حتى تتجه نحوي وتقول: «انتظر سؤال أمل».. كنت كثيرة الأسئلة في حصتها، وكانت تسعد بهذه الأسئلة.

ومعلمة علم النفس، التي استطاعت بهدوئها إنقاذي من حالة التوتر التي تنتابني وقت الاختبار، والتي تصل إلى حالات من البكاء.

أول خطوة لي في المدرسة بصفتي معلمة لا تُنسى، وقفزت بي إلى خطوتي الأولى وأنا طالبة، وقتها أمسكت بيدي معلمة الصف الأول ابتدائي، لم أرَ مثل حنانها.. أجمل اللحظات حين كانت تمسك بأيدينا وتعلمنا رسم الحروف.

#٥_أكتوبر_يوم_المعلم
✍️ أمل عطية

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *