حينَ يكونُ الوَلَدُ فِتْنةً لَا نِعْمَة

في زمنٍ تاهت فيه القيم، وتبدّلت فيه الموازين، أصبحنا نرى أبناءً يتنكّرون لآبائهم، يقابلون المعروف بالجفاء، والإحسان بالجحود، والرحمة بالعداوة.

نسي هؤلاء أنَّ لا جنةَ بلا برٍّ، وأن العقوقَ طريقٌ إلى النار وسوءُ قرار.

البرّ ليس خُلقًا جميلًا فحسب، بل هو فرضٌ شرعيٌّ أمرَ الله به وقرنه بتوحيده، فقال سبحانه:

﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا….﴾ [الإسراء: 23]

والقاصي قبل الداني يعلم أن بر الوالدين لا يرتبط بحالٍ أو ظرف، ولا يتوقّف على رضا النفس أو مزاج الابن، بل هو:

 دَيْنٌ لَا يَسْقُط وَحَقٌّ لا يُناقَشْ. وفي أقسى لحظات الضعف والشيخوخة، أوصى الله باللين والرحمة فقال: ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾.

وفي الحديث الشريف، جاء رجلٌ يستأذن النبي ﷺ في الجهاد، فقال له:(أحَيٌّ والِدَاكَ؟) قال: نعم.

قال ﷺ: (فَفِيهِما فَجَاهِدْ.) [رواه البخاري ومسلم]

ومع ذلك، نرى اليوم أبناءً ينكرون الجميل، ويجحدون فضل آبائهم، بل يَرَونهم خصومًا لا نعمًا، وعدوًّا لا سندًا.

أيُّ قلبٍ هذا الذي قسا حتى أنكر من كان سببًا في وجوده؟

أين الوفاء؟

أين الحياء؟

أين أثر التربية والرحمة؟

أين الأمر بالبر من إله قرن رضاه برضاء الوالدين؟!

قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ…. ﴾ [التغابن: 14]

وقال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ [التغابن: 15]

نعم، قد يكون الابن عدوا لا صديق …

نعم قد يكون الابن فتنة لا نعمة….

نعم قد يكون الابن ابتلاءً لا راحة…..

فالابتلاء بالأبناء من أشدّ الامتحانات، ومن صبر واحتسب ظفر، ومن جزع خسر.

إلى كلِّ أبٍ مَكْسُورِ القَلْبِ

اصبر واحتسب، فإن الله لا يُضيع دمعتك، ولا يغفل عن حزنك.

ربّكَ رفيقٌ بكَ، مطّلعٌ على ما في صدركَ، وسيجبر كسركَ عاجلًا أو آجلًا.

واعلم أنّ من عقّ والديه، فقد عقّ ربّه، قال الله تعالى: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ﴾ [لقمان: 14]

وإلى كلِّ ابنٍ عاقٍّ جَاحدٍ لِفَضْلِ أَبِيهِ

اتقِ الله، فإن العقوق من أعظم الكبائر، وقد جعله الله بعد الشرك مباشرة.

كيف تتجاهل من حمل همّك صغيرًا؟!

كيف تتطاول على من حرص على راحتك، وسعى لرفعتك، وأنت ثمرة دمعه وسعيه؟!

أما علمتَ أن العقوق يمحق البركة، ويقطع الرزق، ويطفئ النور من وجهك؟!

قال النبي ﷺ: ( رَغِمَ أنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُهُ قيلَ: مَنْ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: مَن أدْرَكَ والِدَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أحَدَهُما، أوْ كِلَيْهِما، ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ.) [رواه مسلم]

تذكّر (أيها العاق) أن الأيام دولٌ، وأن الجزاء من جنس العمل، فكما تفعل اليوم بوالديك، يُفعل بك غدًا بأبنائك.

فلنُجدّد عهد الرحمة، ولنُصلح ما بيننا وبين والدينا قبل أن يُغلق الباب، وتُطوى الصحائف.

فالأب ليس رقمًا في حياتك، بل هو سَنَدُكَ الحقِيقِيُّ، وَدُعَاؤُكَ المسْتَجَابُ، وَسِرُّ سَعَادَتِكَ.

ومن فقده، فقد الدنيا ورضا الله معًا، ولن يصيب توفيقا ولا صلاحا ولا هناءة.

كتبه الفقير إلى عفو ربه: د. طلال بن عبدالله بن حسن بخش

دكتوراة في المصرفية الإسلامية والتمويل – باحث ومفكر إسلامي

كوالالمبور 15-ربيع الثاني – 1447هـ

مقالات سابقة للكاتب

تعليق واحد على “حينَ يكونُ الوَلَدُ فِتْنةً لَا نِعْمَة

ابووضاح

بارك الله فيك قمه الابداع
يادكتور تحياتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *