لم أتي إليك كاملة

ما بحثت عن شيء منذ وجدتك،
وما أبتغيت شيء حين عرفتك،

كم تسائلت كيف أملأ فراغ بداخلي بك؟
تارة في البعد عن المعصية،
وتارة في التوبة من الذنب،
وتارة في تأملات،
وتارة في عبادة ما بين صلاة وذكر ودعاء،

كم رجوتك قربا وحبا،

لم أتي إليك كاملة،
أتيت إليك بنقصي وذنبي وإحتياجي وضعفي وإنكساري،
أتيت إليك بقلب تائب منيب،
بقلب يرجوا رحمتك وعفوك وقربك،
بقلب يرجو حلاوة الإيمان والأنس بك،
وتقربا إليك يزيل عنها وحشة بداخلها،

إقتربت منك رجاء زكاة وتطهيرا وهداية وإصطفاء،

أتيت إليك بخشوع وقلب مليء بك،
عل تلك الحسرات والدموع تزيل ثقل الذنوب عن كاهلي المثقل المعبء بكل ما يليق بعظمتك،
أتيت إليك بدمع العين وحزن القلب،
وبكل ما أستطعت من تدبر ومعاني وإذلالا وتسليما إليك،

عل أصل لمراتب عليا في محبتك وإصطفائك لي،

في قلبي طمع لأن ألحق بركب الصالحين، ومن أصطفيت،
ومن أعليت، ممن رضيت عنهم وأدنيتهم منك،

وحق لمن لامس النور والهداية وعرف عظمتك وملكوتك أن يطمع بخير ما عندك وما لديك،

في سعيي للكمال معك أدرك أن ذلك محال،
أنت الكامل يا ربي وليس كمثلك شيء،
أنت الكامل الذي أعبد وألجأ إليه،
وأدرك قدر نقصي وضعفي وقدرتي وزلاتي،
أدرك حجم أخطائي،
وأدرك رحمتك التي وسعت كل شيء،
ووسعتني تلك الرحمة بكل ما بي؛ من إقبال وإدبار، من مجاهدة ومن تقصير، ومن تضييع ومن كبر،
ما بين زهد وما بين طمع،

أعلم جيدا يا ربي بأني لم أدرك حجم عظمتك ورحمتك وملكوتك، ولا قدرتك حق قدرك،
مع وجود الإيمان والمعرفة واليقين،
من سوء نفسي وضعفي،
وقلة قدرتي على إستيعاب كل هذه الصفات العظمى، وأسمائك الحسنى، وملكوتك الذي لا يفنى،
والكمال الذي لا يطاوله نقص،

يظل الإنسان يتخبط في دروب الحياة،
تغلق في وجهه الأبواب،
ويزدرى ويعاب،
حتى يهتدي إلى طريقك،
أنت الرحمن الكريم الحليم العفو،
الذي تحسن لمن أتاك،
وتقبله وتكرمه وتقربه وتدنيه منك،
أنت يا ربي الذي كمل بكل شيء، وغني عن كل شيء، الحميد المجيد،
ومع ذلك من كرمك ورحمتك، تجيب المنادي، وتعطي السائل، وتقبل التوبة، وتغيث المستغيث، وترحم من رجاء رحمتك،
وتهدي المستهدي بك أنوار هدايتك وطريقك،
وتغيث من تعبد لك من حلاوة العبودية، وأنس قربك، فيلقى جنان الدنيا في صدره رحبه،
والمؤمن في شوق للقيا ربه،
لينعم ناضريه بمن أضحى وأمسى له ذاكرا،
وكان له الفكر به متأملا،
يا من جاد علينا من كل شيء كيف نشكر نعمتك؟ وكيف يجرأ العبد أن يستبدل الشكر بالكفر؟
فيكون ساخطا متذمرا،
وكيف يجرأ أكثر أن يعصيك بما أنعمت عليه؟
فتعطيه البصر ويعصيك بالنضر الحرام،
وتعطيه السمع فيسمع ما لا يحل،
وتعطيه الفؤاد ويملأه بكل شيء عداك ربي،

كيف أن لا تعطى للأشياء ما تستحق؟

من هداية الإنسان ومحاولة تزكيته لنفسه،
أن يراقب الله في النعم التي أعطاها إياها، فيستخدمها في طاعة الله،
ويتجنب أن يعصي بها الله،
أن يحفظ قلبه ويملأه بالله، بحبه وخشيته وتعظيمه، وتعظيم شعائره،
أن يكون قلبه شاكرا راضيا مؤمنا،
ويطهر قلبه من الرياء والكفر والشرك بالله والتعلق بغير الله،
وأن يصدق في توكله عليه وحده،
وصدق الإيمان واليقين به وأن يعلي من إيمانه ويقينه، ويكون قلبه متدبرا في أسماء الله وصفاته وملكوته وأياته،
فإن التدبر هو ما يلين القلب ويرققه،
ويجعله خاشعا لله متواضعا له منساقا إليه،

فمن عرف الله حق المعرفة كان فيما يريد الله أن يكونه،

أن يحفظ بصره وسمعه ولسانه وسائر جوارحه،
أن يكون فيما يحب الله أن يكونه،
ولا يكون فيما يبغض الله أن يكونه،
أن يكون مخلصا لله وحده،
ينوي نية الخير والقرب من الله،
أن يعلم يقينا أن الله يملك نفعه، ودفع الضر عنه،
أن لا يعتقد ذلك من سوى الله،
فينقي قلبه من كل تعلق بغير الله،
ومن كل خوف بغير الله،
ومن كل رجاء بغير الله،
فيكون قلبه متطلع لما عند الله وحده.

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *