ذات يومٍ حدثني هذا الجبل

ذات خميس مضى، ذهبت بي خطاي إلى ذلك الجبل المجاور ، لم أعرف لمَ بالتحديد هذا الجبل؟ صعدته وجلست متأملاً كيف تكون هذه الجبال الراسية منذ آلاف السنين والأرض أسفلها بمنازلها ذات الحجم الصغير كلما بعدت عنه. وفي لحظة صمت وتأمل مني! إذ بصوتٍ يسائلني !!! أنت ياهذا، وبدأت ألتفت يمنة ويسرة في ذهول ابحث عن مصدر الصوت وارتبكت ولم أعلم ما أقول إلا أن أسآل: من أنت؟ قال: أأنا الجبل أحدثك ، أخبرني ماالذي أتى بك فلم يصعد على متني أحد قرابة قرن من الزمان. من أين أتيت ؟ وما الذي أتى بك؟ لمَ إخترت حجارتي وتسلقت صخري؟ فقلت في نفسي أجبلٌ يحدثني ويتكلم معي ! كيف هذا ؟ لم يدم صمتي طويلاً وأجبته أنا ابن هذه الأرض القريبة منك، وأشرت له بالسبابة ههنا أقرب جار لك. أعجبني لونك الجميل وطلوعك السهل وتذكرت شلالات المطر التي كانت تنهمر من أعلى هذا الجبل الجميل إلى أن يصب في أسفله، إني اذكر هذه الشلالات في صغري بخريرها الهادئ ولم أنتهز الفرصة سوى الآن فقال لي أإبن هذه أنت إذاً، إني أعرف الأرض هذه جيداً وأعرف من أهلها ومن سكنها وكيف ومتى! وإنني شاهد على العصر وسوف أحدثك عن ناسها منذ قرابة قرن من الزمان وبمقابلها تحدثني أنت عن ناسها الآن .. أموافق ؟، فسررت بذلك ووافقته في الحال ، فقال :

لقدكنت حصناً منيعاً لهذه الديار وبحبها أحببت ناسها الأخيار. قرية لا تغيب عنها الأمطار ومزارعها في خضرة دائمة ومنها يقتاتون ورزقها كاف لهم ومنه ينفقون، أعيادهم جميلة وأفراحهم ليس لها مثيل كانوا كالجسد الواحد يتحركون متكاتفين يداً بيد يساعد بعضهم بعضاً. وإن أحدا منهم تخلف عن صلاة فرض أتوه على الفور يتفقدون حاله. تبدأ أعيادهم بمع شروق الشمس وتنتهي قبيل الغروب، نفوسهم طيبة ،  يسمعون كلام كبيرهم وصغيرهم يوقر كبيرهم كأنهم أسرة واحدة والكل يربي الصغير كأنه ابنه ، مشاكلهم محدوده، لم يتجرأ أحداً من خارج قريتهم كي يصلح بينهم فجميعهم حكماء في تصرفاتهم. وأعتلى علي رجالها يتناوبون بالليل والنهار. أطرب لحديثهم وأتعجب من شجاعتهم فلا عدو هزمهم ولا جيش غاشهم قهرهم، بالشجاعة صمدوا وبأتحادهم واجهوا. إلى أن جاء يومهم و شاء أمر ربهم برحيلهم وذهبوا جميعاً … ثم صمت طويلاً وصمت أنا ولم أتكلم برهة من الزمن، وقد شح خيالي بعيداً كأنه يتحدث عن قرية أخرى أو ناس لم يعد لهم وجود.

وأخذ يقول لي ما بالك صامتاً ؟! لما لا تتحدث قد جاء دورك … ألأ تريد ان تخبرني حسب الإتفاق الذي بيننا. فقلت له سأُخبرك بكل شيء عن قريتي عشته وعلمته وفطنته. إن الأمطار لم تعد كالسابق وجبالها لم تسيل عقداً من الزمان وجفت الآبار وماتت النخيل وتحولت سهولها إلى قفار وبدأ الناس ببيع مزارعهم وذهبوا للخارج ليطلبوا رزقهم وتحولت عاداتهم. الضيف ليس له مكان ولا يعرفونه. والجار يمرض في بيته ولا يعلمون له عنوان، ولا يزورونه إلا في عزائه. ولم تعد لكبيرهم كلمة. وأصبح من هو خارجها يأتي بأجندة على أصحابها يفرضها ولا يستشير كبيرهم ، وفرحة العيد سوف تزال وسوف يصبح عيدهم ليلاً ويحيوون الليل كله وينامون النهار. وأفراحهم سوف تتلاشى فلا يفرح مع العرس إلا نفر منهم وأطفالهم من الأفراح يمنعون، ومع مربية كافرة يجلسون، والبقية في الأسواق يذهبون، وتفرقوا وأصبحوا أحزاب، وكل حزب هو على صواب.

فقال لي: بصوت رخيم كفى!! ما هذا الهراء يا أنت؟

ليتك في صمتك كنت ومازلت ولم يحصل الإتفاق
إن كنت ماتقوله صحيح ! فإن كل رجالها ذهبوا مع الريح ، وليتني عشت في غفلتي ولم تصعد علي متنى ولم أعلم بهم. فلا تستغربوا من قلة الأمطار “إن الله لا يغير ما بقومٍ حتي يغيروا ما بأنفسهم” صدق الله العظيم.

وقال لي مسترسلاَ
من مبلغ السهول و والشجر و والوديان؟ من عٌلم من منطق الطير سوا نبينا سليمان؟ كيف تغيروا هؤلاء مع الوقت والأزمان؟ لو علموا كيف كان أجدادهم في سالف الأوان. لتمسكوا بكل شبرِ وحددو الأركان.

فأذهب ياهذا فالنقاش قد إنتهى. ونزلت مكباً على وجهي وليس لمثلي أن يرفعه.

6 تعليق على “ذات يومٍ حدثني هذا الجبل

فهد الجحدلي

مقال رائع ومميز في السرد

وكأن الجبل مشهوراً ايضا خارج منطقتكم

وإن تجهل اسمه!!! فهو جبل الثنيه. وكل له حرية الفهم.

4u

يامقارن العلم واﻷخبار
بين امس واليوم تلقى فرق
لودرت ولفيت فاﻷمصار
ويممت للغرب ثم الشرق
يشكي لك الكل من اعصار
من لا توقى مصيره الغرق
مايستقر الفلك دوار
اعوام عذبه وف اخرى طرق
تغيير يخطف لك اﻷنظار
وفي داخل الذات يحرق حرق
لكن ربي لنا غفار
لمن دق بابه وزاد الطرق

4u

عرق سوس انت مبدع وتملك موهبه.استمر وفقك الله.

عرق سوس

4u شهادة منك اعتز بها
وانت شاااعر صعب مجاراته
بارك الله فيك

عرق سوس

اخوي فهد
مادام لكل حرية الفهم. فسمه ماشئت

شاكر لك

مصهلل

مقال مميز عرق سوس
تحياتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *