الدراسة في رمضان ..

رغم مشاغلي وعدم تفرغي الكامل للكتابة في الوقت الراهن؛ إلا أنه حينا قرأت ليلة البارحة مقالاً للكاتب سعيد السريحي، في صحيفة «عكاظ» يحمل عنوانًا لفت انتباهي وأثار دهشتي مما أخرجني مما أنا عاكفة عليه، فقررت أن أنتزع ذلك القلم من ذاك الغطاء، وأنثر عنه غبار الوهن والانشغال، وأشمر عن ساعديّ وأشعل فتيل مخيلتي!

مقال الأستاذ السريحي كان بعنوان: «الاختبارات في رمضان.. هل هي قضية؟» وقد خصصتُ هذا المقال تعقيبًا على ما نُشر فيه فالكاتب تعمد أن يستفزني ويستفز جميع القراء.

يقول السريحي: “مجتمعنا يعاني على نحو غريب ومريب من حالة فصام…………. وكيف أن صيام الطلاب يهددهم بالرسوب والفشل ويكلف على آباءهم وأمهاتهم عناء متابعة أبنائهم..”، أمّا كل ما أردت أن تنطوي  كلماتي حوله فهو يبدو أن الكاتب لا يعيش في هذا الزمن، أو ربما هو قادم من كوكب غير الذي نحن فيه، وقد لا يسمع عن جيل «الآيباد» ولا يعلم أنه في الأيام الخالية تمامًا من أي حدث تجد الطلاب يصارعون مايلهيهم عن الدراسة، أو أنه لا يعرف أن في رمضان ألف وألف طريقة افتعلها سفراء إبليس لشغل وملئ قلوب المسلمين باللهو عن العبادة فما بالكم بالمذاكرة؟

فهنالك المسلسلات، وهنالك المهرجانات، وهنالك مليون سبب ليترك المراهق كتابه ويتجه له، وهذا بلاء أصاب الجميع؛ الطالب والكبير والصغير.

 هذا شئ، أمّا الشي الآخر: فما كان في الماضي ومضى لا يدل على أنه كان صواباً، يقول الكاتب بالنص: “هؤلاء الآباء والأمهات الذين يتذمرون من الاختبارات في رمضان نسوا أنهم أنفسهم درسوا في رمضان واختبروا في رمضان”… “في فصول لم تكن تعرف التكييف” إلى أن قال: “يكتبون بيد ويمسحون العرق المتصبب من جباههم باليد الأخرى”.

ياالله! لا أستطيع إلا أن اقول هل حقاً يوجد من يفكر بهذه العقلية؟! وكيف يعتبرون شهر رمضان مجرد شهر مثل بقية الشهور؟ يتحدثون عن الماضي عندما كنا نتصبب عرقاً لنصارع ما بين استخراج المعلومات من الذاكرة وصبها في ورقة الاختبار، وما بين صعوبة البيئة التعلمية في ذلك الوقت من ناحية أُخرى.

يقولون: قديماً كنتم تحتملون المزيد؛ فدعو أبناءكم يحتملون مثلكم حتى تصلب أعوادهم ويتعلموا الصبر، و.. و.. و..

عفواً للمنادين بذلك فليس اليوم كالأمس، فبالأمس لم يكن هنالك تخطيط، ولم تكن هنالك ميزانيات، ولم تكن هنالك رغبة لدى القيادات بضرورة التطوير والتغير، أما اليوم فنحن أمام تحديات عالمية نحو التغيير والتطوير التنظمي، ولمس متطلبات الجودة في جميع الأعمال، فما المانع إن وضعنا وسم (خطأ) على دلالات الماضي؛ لنعالج المستقبل من أجل التطوير الهادف البناءن ونعم إن الوضع مختلف، فليس اليوم كالأمس، وإن لم يكن فما العبرة من العناء طالما المتاح مباح؟

اختلفت أساليب الحياة، فلم يكن بالأمس تخطيط استراتيجي، ولم يكن للكوادر الوطنية وجود مُشبع، تلك الكوادر الراغبة في تطوير الوطن، تلك الكوادر التي تعمل في المجال التعليمي والإداري، كوادر وطنية تهتم بالتغيير والتطوير نحو الأفضل لأنها بيئة دار المقامة بالنسبة لهم، فلماذا تصنعون منا دُمَىً صماء تحاكي الأمس فقط؟ لا تقولوا إنه النظام، ولكن هي العادة فحسب.

عندما تتحدثون عن التغيير فهناك ثمة أشياء لا داعي لها، ففي بلادي نتمتع بإجازة من بداية الحج بذريعة أن شهر الحج شهر توافد المسلمين إلى مكة، لكن هل كل السعوديين في مكة؟ أو كلهم حجاج؟ بالتأكيد لا، ولكن جرت العادة على ذلك، وطبقناها فحسب بلا هدف واضح.

عجباً! يكون ذو الحجة شهرًا فضيلًا وليس كلنا حجاج لكل سنة، فرمضان شهر فضيل أيضًا وكلنا مسلمون صائمون، الرجل والمرأة، والموظف وغير الموظف، ونستحق الراحة، نستحق أن نتعبد لله وقلوبنا خاوية.

لا نريد إجازة من بداية الحج، يوم عرفة والعيد يكفيان، ولا نريد أسابيع نصف المنتصف، فقط اتركوا لنا رمضان وخذوا ماتريدون !

 أيضًا لماذا تَقرر حتمية أن تكون أسابيع الدراسة ١٦ أسبوعًا؟ فما المانع إن كانت ١٠ أو ١١ أسبوعًا؟ ، هل هنالك فرضٌ يُفرض؟ أو سُنة في الأرض تقام؟ أم أنها العادة الصلبة والعقول التي ترتشف قهوة الماضي في فنجان اليوم؟ بكل أسف تلك أنظمة قديمة تقاوم تغييرها، ولا نأبى أن نفكر مجرد التفكير في تغييرها.

نريد شهر رمضان أن يُنظر إليه بعين التقديس وعين الرأفه بأحوال المسلمين والمسلمات، فالنساء منهن الحامل ومنهن المريضة، ومنهن من تعتني بوالديها، والرجال أيضًا لديهم ما يؤرق مضاجعهم في النهوض لمجرد ملئ دفاتر الدوام بشخبطات وكفى ،ومنهم.. ومنهم.

فكفى رفع شعارات: (كنتم.. وكنتم ومازلتم لم تموتوا ) نعم كنا وتألمنا ومسحنا العرق المتصبب الساقط على صفحات الكتابة تارة، وعلى صفحات الكتب تارة أخرى، حتى عبرنا رحلة العلم، ولكننا  لا نريد أن نبقى كما كنا، ولا لأبنائنا أن يتجرعوا مرارة أنظمة الماضي، فالحر يتعلم من الأخطاء ولايعود إلى الوراء، لأنه حقًا لا يوجد داعي يدعوننا لمثل هذه التجربة التي تعلقت أستارها بمصيرنا، ومصير أبنائنا وبناتنا الطلاب والطالبات.

 

ليلى عبد المحسن الشيخ

مقالات سابقة للكاتب

4 تعليق على “الدراسة في رمضان ..

متابع

الاخت الفاضلة
شكرا لك على كلماتك الطيبة . نعم مثل هؤلاء الكتاب يعيشون في أبراج عاجية ولايعانون معاناة الأباء والامهات مع الأبناء والبنات فمن هو في مثل عمر الكاتب مؤكد أنه ليس له أبناء في المراحل الدراسية لذا فلا يشعر بالمعاناة . لكنه كاتب بأجر مطلوب منه يومياً أو أسبوعياً أن يسود المستطيل المخصص له في الصحيفة بحروفه الخائبة .
واتعجب من خبر قرأته قيل أيام أنه في بريطانيا سمحوا بتأجيل الاختبارات لأبناء المسلمين مراعاة لصيامهم . وجماعتنا مصرين على ذلك . رغم وجود الامكانية في الوقت . والأسوء أنهم أيضا يصروون على البداية المتأخرة لموعد الاختبار .. التاسعة والنصف صباحا . ختاما شكرا لطرق الموضوع وشكرا لحروفك المضيئة .

ابو عبد العزيز

سلمت يداك وقلمك الذهبي وفكرك الناضج
حقاً تجرعنا الم المتاعب في الماضي لكن
هو الموجود تقبلناه لعدم وجود البديل وسارت
عجلة الحياة .. والآن ولله الحمد وجدت البدائل
فلا مانع من العمل بها وفقك الله وكثر من أمثالك

متابع

الحمدلله الآن جاء الفرج من الله !

ك.م

سلمت يمناك…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *