العَلانية و السِّر

( ‏ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُم بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً )

لم يقل سبحانه (أو) بل سراً (و)علانيه في هذا الفعل ، جمع بين الأمرين ومقتضى الحكمة في ذلك كون العلانيه في فعل الخير تنشره وتحث المجتمع عليه ، فإن صدقة العلانية مطلوبه كصدقة الخفاء ، ولكن النية مطلب هنا في تنزيهها عن الرياء ، قد تجمعك في الصدقه فعل الخير والعلانية للناس كي يمتثلون بها ونشراً في ذلك بعيداً عن الرياء ولهذا حكمة بالغه كما أورد الله سبحانه هذا الفعل ، وطبعاً حديثنا عن هذا لا يقلل عن الخفاء و إنما يشرح الطرف الثاني من الآية وحكمتها ..

أتامل قبيل فتره الفرق مابين التوبة والعقاب القضائي ، كون ربنا سبحانه طرح لنا أمرين ، ( فمن تاب وامن ) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ) و كذلك وضع عقوبات للمخطئ في القضاء ، فأين الحكمة في جمع الإثنان وكيف نورد العقل فيهما؟

نجد أن مقتضى العقاب القضائي هو إعلانه و إنكار للمنكر المعُلن علناً وتنبيها لمن سيقدم على ذلك ، بحيث عندما يخطئ الإنسان في شيء وتُعرض على القضاء فذلك يدل على أن هنالك من شاهده أو كشف فلذلك وصل أمره للقضاء وذلك يعني أن المنكر الذي عملته به علانية فلذلك يجب أن يكون العقاب علانية عبرة لمن شاهدك ولمن سمع بفعلك لذلك المنكر ، وإنما المنكرات والسيئات التي يعاقب عليها القانون وفعلتها أنت بينك وبين نفسك فإن الله لايطلب منك تسليم نفسك للقضاء كي يعاقبك (إن خلا ذلك من الحق الخاص ) وإنما يأمرك بالتوبه بينك وبين نفسك ، كون لم يشاهدك أحداً ولم يُعلن منكرك فحكمة العقاب العلني لا تنطبق حكمته عليه ، والله سبحانه غني عنا ولاتؤثر فيه اخطائنا فلو شاء (ليبدلهم بقوما غيرهم ) وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ )
و إنما العقاب الدنيوي له حكمة في تحسين البشريه وتقويمها للخير ، حتى في عقاب الاخره ، إن ربنا يعاقب لحكمةٍ بالغة وهو غني عن كل ذلك ، ولكن إنصاف الحق والتفريق بين أهل النور و أهل الظلام و إن في عقاب الكافرين في الاخره إنصاف للمؤمنين القانتين ويغفر الله لمن يشاء وهو خير الراحمين ، فإن وجود العقاب لحكمة ، حتى في وجود الشر في هذه الحياة هو لحكمة فبدونه لن نميز الخير وبدون الظلام لن نميز النور و بدون الجوع لن نميز الشبع فكل شيء مخلوق بحكمة و قدر سبحانه وتعالى .

 

مروان المحمدي

مقالات سابقة للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *