وقائع من الواقع 7 ( العزاء )

يقدس الناس عادات وسلوكيات في حياتهم ويصنفونها بكلمات وصفية ترفع من شأنها كثيرا ، أو تحطها في ظلمات العمق والقاع ،حتى أننا نرى من يقصر في مفروضات وواجبات شرعية ، لايؤديها ، ولاينكرون عليه إلا قليل منهم ، لأنها لاتصنيف لها في المجتمع ، ولاتتجاوز ردات فعلهم أن يقولوا ( الله يهديه ) ولايؤثر ذلك في تعديل سلوكه فليست إلا كلمة لاتعدو كونها صوتا عابرا ! لكن كلمة (عيب ) مثلا ، صبغت تصرفاتٍ فجعلتها أشدَّ المحذورات ، ومن وقع في شيء منها نقصت قيمته المجتمعية ، حتى التوبة عندهم لا تفيده ، ولو فعل من الحسنات لهم من بعدها مافعل ستظل واسمة في شخصيته وصمة أبدية !

وكلمة ( واجب ) بمصطلحها المجتمعي كحد السيف مضيا لا أشد منها ! لايُعذر منها العذر ، وكم هي مصيبة عظمى إن حيل بينه وبين أداء هذا الواجب ، ولاعزاء يُواسى به إلا قولهم ( المقبلات بخير وتُكمِّل واجبه ) .

أثار في ذهني كتابة هذه المقالة مانقله الإعلامي المعروف الأستاذ عبدالعزيز قاسم في تغريدات له كتبها بعد أدائه ( واجب العزاء ) لذوي الدكتور الشيخ أحمد زكي يماني رحمه الله ورحم أموات المسلمين جميعا ، وقد ذكر : أن مكلفا يستقبل المعزين عند دخولهم يتأكد من وجود تطبيق توكلنا ، ثم بعده بقليل ، آخر يقيس حرارة الداخلين ، وعند دخولهم موقع الاستقبال كان عدد قليل من ذوي الفقيد يستقبلون التعازي من خلف حاجز بسيط يشير إلى التباعد وعدم المصافحة ، فتخيلت هذه الصورة الرائعة التي رسمتها الحضارة بمداد المعرفة ، وجسدها سلوكاً الوعي الراقي ، فحينما لم يجدوا بدا من استقبال المعزين كان في استقبالهم لهم درسا تطبيقيا مميزا .

وفي صورة أخرى في مثل هذا الظرف وفي جهة عريضة من المجتمع ، كم من التجاوزات التي شجعها قولهم ( واجب ) دون أن ينضبط هذا الواجب بالوعي المعرفي والالتزام الشرعي ، أوالنظام الإجرائي ، فيزدحم الناس كثيرا ، وعند بعضهم تكون الولائم وكأنها احتفالية ، ويصطف صف طويل يستقبلون التعازي ، وليس كلهم مصابين في الفقيد بل ما أوجبته كلمة واجب ليس إلا … التي أتعبت الكثيرين بقدسيتها في المجتمع ، وكلمة عيب التي يخافون منها كخوفهم من ذلك الوهم (السعلي) الذي عاش كثيرا وعمّر طويلا في مجتمعاتنا وأرعب الصغار والكبار ! .. ثم علموا أنه من الخرافات فاختفى .

ولعله من حسنات جائحة كورونا أن وجه الاحتراز من العدوى بها المجتمع إلى سلوك جيد ماكان أحد يجرؤ على الاتصاف به مع حسنه .

⁃ وما أجملنا وأفضلنا ونحن نتخلق في حياتنا بأخلاق ديننا وما أسمى سلوكنا وأعظم أجرنا ونحن نتأسى بنبينا صلى الله عليه وسلم وبصحابته من بعده ( لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21/ الأحزاب).

 

أحمد بن مهنا الصحفي

مدير مكتب التعليم بمحافظة خليص سابقا – مدرب معتمد في المسؤولية المجتمعية

مقالات سابقة للكاتب

14 تعليق على “وقائع من الواقع 7 ( العزاء )

صالح الحربي

شكرا على هذا الاثراء أستاذنا القدير أبارائد
ننهل من رقي فكرك ونسأل الله أن ينفع بك ويمدك بالصحة والعافيه والتوفيق للخير

متابع

خبير تربوي
كم لهذا الطرح من أبعاد تربوية
فعلا يستحق التأمل والمراجعة
وأقل مايمكن أن نصحح به هو الاتزان في العادات والانضباط بالشرع
شكرا لك أستاذ أحمد
مقال رائع بحق

متابع

بوركت ابا رائد مقال يصور الواقع ،،،
” العادات تتلاشى مع الزمن والمخاوف تتغير
فياليتنا نخيف اولادنا ممايحق لهم الخوف منه كالخطر على الدين ومن الذئاب البشرية !!!
ونلزمهم تعاليم واداب الاسلام الباقية على مدى الازمان

الحربي

وقائع من الواقع مقال من عنوانه رائع
جزيت خيراً حبيبنا ابا رائد ،،،

مصلح

(حتى أننا نرى من يقصر في مفروضات وواجبات شرعية ، لايؤديها ، ولاينكرون عليه إلا قليل منهم ، لأنها لاتصنيف لها في المجتمع ، ولاتتجاوز ردات فعلهم أن يقولوا ( الله يهديه ) ولايؤثر ذلك في تعديل سلوكه فليست إلا كلمة لاتعدو كونها صوتا عابرا ! لكن كلمة (عيب ) مثلا ، صبغت تصرفاتٍ فجعلتها أشدَّ المحذورات ، ومن وقع في شيء منها نقصت قيمته المجتمعية ، حتى التوبة عندهم لا تفيده ، ولو فعل من الحسنات لهم من بعدها مافعل ستظل واسمة في شخصيته وصمة أبدية !)

👌رااائع

ام رمزى

بوركت اخي ابا رائد مقال رائع

غير معروف

الإتزان في الأمور كلها وملازمة الشرع وعدم التكلف فيه الراحة والسعادة .. شكراً استاذنا ..

عبدالرحمن عبدالحميد الصحفي

مقال جميل بارك الله فيك ابا رائد وحفظك من كل شر

عابر أوقفه مقالك

مقال رائع من قلب نصوح ورجل تربوي ..
جزاك الله خيرا

فاطمة

(⁃ وما أجملنا وأفضلنا ونحن نتخلق في حياتنا بأخلاق ديننا وما أسمى سلوكنا وأعظم أجرنا ونحن نتأسى بنبينا صلى الله عليه وسلم وبصحابته من بعده ( لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21/ الأحزاب). ما أجمله من منهج ! وضعه من خلق النفس البشرية واعلم بما يناسبها .
 بوركت غالينا ابو رائد مقال مختصر مفيد من كاتب تربوي خبير

غير معروف

بارك الله فيك وزادك علما ونفع بك وبعلمك ورفعك..
فعلا مقال يلامس واقعنا..
ويزرع الوعي في المجتمع..
الله يجزاك خير ويكتب أجرك..

س.أ

فكر متميز ورجل ذو منطق بارك الله في ما اعطاك من جميل عبارة وسرد مقال من أحداث واقع نعيشه بشكل رائع

محمد مبارك البشري

كلام رائع لو تترجم الى اعمال خالصه لوجه الله

محمد مبارك البشري

خذ اقوالهم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *