نحتاج تربية جديدة

قبل فترة قرأت موضوع جعلني أعود بالذاكرة إلى الوراء وتحديداً عندما كنت أدرس بالمرحلة الجامعية ، ففي إحدى المرات التي كنت أسير فيها مع إحدى الصديقات للتنزه في فناء الجامعة أذكر سألتني سؤالا حينها فقالت لي : من رباك ؟ فكانت إجابتي مباشرة بدون تفكير مسبق قلت لها أنا ربيت نفسي ، فضحكت بأسلوب فيه سخرية ، في تلك اللحظة أدركت أنها لم تفهم عمق إجابتي وأن حدود عقليتها جعلها تأخذ الإجابة بشكل سطحي ، بدليل أنها لم تناقشني و تحاول أن تفهم أكثر عن مقصدي وهدفي من الإجابة ، لذا ضحكت من ردة فعلها وسكت .

فعلاً كان سؤالها عميقاً لكنها لم تدرك عمقه عكسي تماما.

بعض الأباء و الأمهات حدوده في التربية بسيطة أو يعيد نفس الأسلوب الذي تربى عليه دون أن يدرك أو يعي أن فيه خلل ظنًا منه أنه صحيح ، لكن للأسف يسهم في إنشاء بعض الخلل في جوانب النفس والشخصية ؛ تجعل الأبناء يعانون في حياتهم حين يكبرون ، فالوالدان لم يقصدا هذا الخلل و لكن هذه حدود قدرتهما ومعرفتهما بالتربية إذا لا تثريب عليهما .

الأن أيها القارئ العزيز قد يدور في خلدك هذا التساؤل هل يستطيع الانسان أن يربي نفسه ويغير تربية والديه له ؟
الاجابة نعم يستطيع أن يعيد تربية نفسه ويحسن من شخصيته ، فعندما تتغير النفس تتغير معها الشخصية .

فالله عز وجل أعطى الإنسان هذه القدرة وذكرها في قوله ﴿وَنَفۡسࣲ وَمَا سَوَّىٰهَا ۝٧ فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا ۝٨ قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا ۝٩ وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا ۝١٠﴾.
فالجانب الخفي في الآيات الكريمة قليلا من يفهمه و يدركه فالله تعالى وضح لنا طريقة إعادة تربية النفس .

وهنالك يأتي دور الإنسان فيحتاج عندما يصل لمرحلة البلوغ والنضج أن يعيد تربية نفسه من جديد ، لكن هذا النوع من التربية مختلف يحتاج منه أن يكون ذا وعي ومعرفة وإدراك عميق حتى يتمكن ويعرف كيف يربي نفسه بشكل أفضل ويعيد تجديد شخصيته وعقله بشكل أنضج وأوعى .

للتربية عدة جوانب عديدة أهمها إعادة “تربية النفس” في جانب الروح :
وأعني به أن يحسن المرء معرفته بربه ويقوي علاقته به بطلب العلم النافع والتفقه في دينه على بصيرة واضحة ، و فهم عميق ، و ينقي نفسه من أي أفكار فيها خلل عقيدي عالقة في فكره ، و أيضاً أن يضبط هوى نفسه في الطاعات والمعاصي وكذلك في المباحات وأن لا يجعلها بدون رقيب ذاتي بل يربيها على الضمير الحي الذي يخاف الله في السر و العلن .

ومن جوانب التربية المهمة والتي يحتاج لتجديدها:
جانب الأخلاق والتعامل :
و أعني به تهذيب الأخلاق وإتقان فن التعامل مع النفس والأخرين من خلال قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم و صحابته الكرام و التابعين الأفاضل و المعاصرين الثقاة في الأخلاق و فن التعامل المتزن ، و ثم تطبيق ما يتعلمه في حياته الواقعية حتى يكون أسلوب حياة لديه ..

و أيضاً من جوانب التربية الذي لابد من تجديده تربية النفس في جانب الشخصية الذاتية:
وأعني به إعادة برمجة الشخصية في سماتها وصفاتها بشكل أفضل من خلال المعرفة والوعي العميق بالذات ومحاولة اكتشاف نقاط القوة والضعف ، وأن يجعل له هدفًا واضحاً في حياته بحيث يكتشف من خلاله ماهي قوة إمكانياته وحدود قدراته التي تجعله يُحدث أثرا مميزاً في حياته ..

و أخيراً :
هذا الذي لم تدركه و تفهمه صديقتي حين أجبتها ..

 مها الجهني 

مقالات سابقة للكاتب

تعليق واحد على “نحتاج تربية جديدة

أبو عابد

شكراً للكاتبة الكريمة
هذا النوع من المقالات الذي يستفيد الإنسان من قراءتها.
اتفق معك في كل ما ذكرتي وحبذا لو تطرقتي لموضوع الأطفال أعني إعادة تربية الأطفال من خلال المدرسة فبعض البيوت لا تعرف كيف تربي أطفالها بل لا أبالغ إن قلت أغلب البيوت كذلك. فهل يمكن أن يكون للمدرسة دور فعال في إعادة تربية هؤلاء الضحايا (إن صح التعبير) ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *