أصبع بين حجرين !

لحظات ترقب وتحفز ثم تدوي الصافرة فننطلق وكأننا في مضمار سباق الحواجز .. إنه جرس الفسحة عندما يلامس أذاننا المترقبة في مدرستي العتيقة ذات الفصول الستة والتي تطل على ساحة صغيرة تعهدنا بنظافتها مطلع كل أسبوع دون ملل وضجر .

مضت تلك السنوات الست عليً وعلى عدة أجيال  من بعدي   وأنا أحمل في ذاكرتي الكثير من المواقف والتي أشعر بروعتها الآن فمن زحام الفسحة إلى براد الشاي الكبير إلى قارورة الميرندا الباردة بلونها المميز وبشكلها الجذاب والتي كنت استمتع برؤيتها فقط دون مجرد تفكير في الحصول عليها . كم كنت أحلم بها باردة !

أما داخل غرفة الصف فإذا نسيت فلن أنس ذلك المعلم الذي أصر في أحد الأيام على إحضار حجرين بحجم الكف .. نعم حجرين (الإرهاب من قديم !!) تمهيدا لقص أحد أصابعي حيث التهمة الموجهة لي عدم قدرتي على قراءة الدرس . وأمام الصف وقفت أنا  وجلس المعلم على كرسيه ممسكاً بالحجرين وطلب مني أن أختار أحد أصابعي الخمسة ليتم قطعه فوراً .

وكان يقف بجواري مجموعة من الطلبة بنفس التهمة لكن من سوء حظي أني كنت الأول الذي سوف ينفذ فيه الحكم .لن اتحدث عن النهاية لأنني كنت أنظر إلى أصابعي وصعُب عليًه الاختيار لذا فضلت الصمت ولم أحدد شي رغم إصرار المعلم عليً بأن أحدد أصبعا لينفذ فيه الحكم !!

إلا إنه في النهاية وافق على تأجيل التنفيذ ليوم آخر لعدم كفاية الأدلة ! والحمد لله أن الحكم لم ينفذ وإلا لما استطعت أن أكتب لكم هذه السطور حيث لا أخفيكم سرا أني كنت أنوي أن أضحي بالإبهام لآني رأيته منفردا عن البقية ! لكن الله سلًم ! 

ونحن على أعتاب عام دراسي جديد أهمس في أذن كل مربي (كان قدره أن يعمل في هذه المهنة)  مهنة الأنبياء أن يكون رحيما بطلابه مقدرا لهم محترما لذواتهم رافعا لمعنوياتهم مبتسماً في وجوههم محتملاُ لهفواتهم مشجعاً ومحفزا لهم . لا تبخل بكلمات الشكر والثناء . تذكًر أن القدوة الحسنة هي أفضل موعظة .. كن عادلا حازماً (عاقب بيد حنونه !) وعندما تغضب , احتفظ بيديك في جيوبك !

لا تهدر كرامة أحد كن عفيف اللسان تذكر أن الكلمات القاسية تجرح بشدة . فرق بين أن تنتقد ذات الطالب وبين أن تنتقد سلوكه . (إن أفضل معلم هو ذاك الذي لا ينس أنه كان في يوم ما طالباً).

عبدالرحمن مصلج المزروعي – مرشد طلابي بثانوية عين جالوت بمكة المكرمة

مقــالات سابقة للكاتب :
مقالات سابقة للكاتب

13 تعليق على “أصبع بين حجرين !

الصحفي

درر والله ، الله يجزاك بالخير

السابر

قصة مؤثرة اباعاصم
وجزاك الله خيرا
واتمنى من كل مربي ومعلم ممن احتضنتهم
تلك المدارس التي تميزت في مخرجاتها واصبحنا
نرى منهم الطبيب والمعلم والمهندس والضابط ان
يرد شيئا من الجميل ومما وصل اليه لمدرسته
وأهله ومنطقته بدلا من وجودهم في المدن الكبيرة
فأهلهم احق بخبراتهم ومؤهلاتهم
لان المنطقة خسرت وافتقدت لكثير من العقول
المهاجرة ، وآن الآوان لعودتها لتنفع أهلها
والله الموفق .

مصهلل

اخي المعلم
انت لا تعمل بالمجان ففي اخر الشهر تستلم مرتبا يغنيك عن حاجة الناس وتتمتع بإجازه هي الاكبر بين قطاعي العام والخاص لذلك لاتتضجر وتضع جام غضبك الغير مبرر على الطلبه فتكون سببا في توجه بعضهم لسوق العمل الغير منصف بسبب ضعف المؤهل التعليمي منما يتسبب في تدني راتبه وحاجته لأهل الخير
معلمو غران المهاجرين
سامحكم الله . فقد اصبح ابناء غران بين ايادي الغرباء فلا تقدير ولا رحمه وقلة من ابناء غران من قسى على طلابها ايضا
اشكرك ابو عاصم على هذا المقال الجميل والذي اتمنى ان يصل للعباقره معلمو مدارس غران

شكيل

منظومة التعليم لدينا اختلفت جذريا عن العقود الثلاثة الاخيرة
واصبح التعليم لدينا ومخرجاته صفر علي الشمال
واذا اردت التاكد ارجع لطالب في الثالث ثانوي واطلب منه كتابة مقال مثلا وستجد العجب
او اسأله في درس سبق ان درسه في ثالث متوسط واتحداك لو جاوب علي سؤالك
نعم كان للتعليم هيبة فانتج جيلا يشار له بالبنان
فذهبت تلك الهيبة ولا رغبة لدي الطلاب في التعلم فضاع العلم
فالتعليم لا ياتي الا رغبة او رهبه
نعم كانوا يضعون اصابعنا بين حجرين ليضعونا بجوار الثرياء علما وادبا
جزاهم الله عنا كل خير

الشيخ جوجل

مقال جميل

ناجي

لا فض فوك على هذا المقال الاحترافي
فعلاً الإهاب من زمان هههه
بس الآن حل محله الدلع
نحن شعب ماعندنا توسط يا إرهاب وتكسر اصابع يا دلع وفلته :(

أبو أنس

شهادتي فيك مجروحة
لكن كلمة حق تقال
قلمك من النوع الفاخر
فكراً وأسلوباً وطرحاً

المهادي

الفرق بين زماننا الحالي والقديم
التعليم الحالي ليس تعليم
لافرق بين المعلم والطالب الا من رحم ربي
تعليمه ع تهميل الطالب
والزمن القديم تعليمه كان على ان يرتقي الطالب
خوفاا من الله وليس خوفه من الطالب لان كل الانظمه التعليميه
مع الطالب ضد المعلم
ويطلع الطالب تخصص صيدلي او بنشري

أبو عبدالله

سلمت اليد التي كتبت هذه المقالة بأصابعها الخمسة
وسلم هذا الفكر الناضج المبدع.

أبو سعود

ماشالله تبارك الله عليك مقال ابداعي الله يعطيك العافية

رامز العلالي

قصة جميلة انتهت بنصائح قيمة
الله يوفقك ابو عاصم

الدكتور

تسلم يا ابو انس على العفته الجميلة اسف الكسرة …
بس باقي ترستك الكلمات و تحط لك اي قافية تطلع معلقة….امزح معاك يا ابو انس

أم البنين

ياليت كل معلمة ومعلم جديد يقرأ هذا المقال قبل لا يبدأ عمله
جزاك الله خير وبارك لك في أولادك وشكر سعيك وعملك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *