جوهر التعايش

قالها في لحظة تَجلّي، وكأنَّه يريد أن يُحلِّق في فضاءٍ دون كَدْر، أو كأنَّه عصفور يريد أن يطير بجناحين لم يُبَلَّلَهُما مطْرُ.
كيف يحلو التعايش؟
ولعلَّ سؤاله قادني إلى تَذكُّر مشهداً من أجمل المشاهد السينمائية، وأكثرها كثافةً في حضور الفكرة وأدوات الحوار.
ففي فيلم Forest Gump الشهير والذي أُنّتج عام 1994م يركض بائع ملصقات السيارات إلى بطل الفيلم ويُنبّهه إلى أنَّه داس على كومةٍ من الفضلات.
فيُجيب البطل: إنه أمر يحصل.
فيرد البائع: ما الذي يحصل، الفضلات؟ فيجيبه البطل: نعم أحياناً.
حقاً، إنَّها تحصل بالفعل، ولا مفرّ منها، فالحياة مليئة بالعيوب والأحداث غير المتوقعة، وعندما تقع هي أو غيرها من الأمور المزعجة تقوم أنت بإضفاء معنى عليها.
فأنت وحدك من يمنح أي موقف وزناً.
وأنت أيضاً تُحدّد أهمية كل ما يحدث في حياتك.
فالأمور تكون على ما هي عليه، مثل تغيُّر الفصول، أو وفاة عزيز، أو الأشخاص المزعجين.
نحن من نمنح أو نمنع هذه الأمور القدرة على التأثير علينا وتوجيه بوصلة حياتنا.
فالخيارات التي نقوم بها تجاه تلك الأمور هي ما يحدد نوع اليوم، والحياة التي سوف تحظى بها.
ولعلَّ أحدنا يشعر بأنه ظُلِم من قبل قريب أو زميل أو رئيس، ويجد أن لشعوره بالغضب والكراهية والرغبة في الانتقام تجاه ذلك الشخص ما يبرره.
وربما يكون مُحقّاً في ذلك.
غير أن الأمر الذي يفوت عليه، أو لا يدركه هو أن التمسّك بغضبه وكراهيته ورغبته في الانتقام لن يخدمه بإي حال من الأحوال.
إن هذا التمسّك يوصد الأبواب في وجه العلاقات، ويُثقّله ويُعيّقه عن المضي قُدْماً.
إنه يُدمّر طاقته ويبددها على نحو كبير.
وهذه الطاقة يمكن أن يستخدمها بصورة أكثر فعالية لنيل بهجة العلاقات، وسعادة الحياة.
فالضابط هنا في هذه المسألة هو طريقة تفاعلنا مع الأحداث المزعجة،والأشخاص المزعجين، وليس محاولة السيطرة على مجريات الأحداث، أو التحكم في سلوك الأشخاص.
إنه الاختيار الذي نقوم به، ونعمل به كما فعل بطل الفيلم بقوله: “إنه أمر يحصل”
في إشارة للأمور المزعجة التي تقض مضجعنا وتسلب راحتنا وسلامنا، ولكنه رغم ذلك اختار لنفسه ما يحقق غايته الأسمى وهو إضفاء معنى جميل ليومه ولحياته دون أن يعرقله موقف عابر.
وهو بهذا الاختيار حقق جوهر التعايش، وهو السعي لتحقيق غايتك الأسمى مع إيمانك بحدوث العقبات.

سليمان مُسلِم البلادي
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *