كبار السن والعزلة

في شتاء إنجلترا الممطر البارد ليلاً و نهاراً ، يهرب الطلاب الأوروبيين إلى ديارهم و يتضائل عدد طلاب مدرسة (ريجينت) لتعليم اللغة الإنجليزية إلى النصف أو الخُمس أحياناً ، و لا يتبقى سوى حفنة من الطلاب السعوديين ، فتقوم إدارة المدرسة بإعادة توزيع الطلاب و الفصول حسب المستويات.

وقع إسمي في صف الأستاذة العجوز (بام) المعروفة بصرامتها و حزمها ، يلقبها السعوديون فيما بينهم بصباح الشحرورة و العجوز الشمطاء و أشياء أخرى ! .. و لكن  إتضح لاحقاً أنهم مخطؤون جداً ، سنعرف لماذا و لكن في مقال منفصل .

في أول حصة دراسية ، قررت “بام” أن نحضر لقاء أحد الجمعيات الخيرية التي تعتني بكبار السن ، و ذلك لتقوية الحس السماعي و الكتابي بتقرير مفصل عن الزيارة.

في غرفة صغيرة بمبنى متهالك كان الاجتماع .. بدأ الرئيس بالترحيب بالضيوف و الأعضاء ، و من ضمن حديثه ذكر أن من أكبر المشكلات في مدينة برايتون هو زيادة عدد كبار السن المتقاعدين ممن هجرهم أبنائهم و أقربائهم ليعيشوا في بيوتهم لوحدهم ، وهؤلاء لا يحتاجون لمن يعتني بهم فقط و إنما هم في أمس الحاجة إلى جليس و أنيس.

يقول أيضاً أن أكثر من مليون مسن يعانون الوحدة ، و تخيل أن البعض يمضون شهر كامل من دون أن يتحدث إليهم أحد ، فتقوم الجمعية بإتاحة الفرصة للمتطوعين لزيارتهم و الحديث معهم و تكوين صداقات إما وجه لوجه أو على الهاتف ، فبذلك تخفف حدة الشعور بالوحدانية و الهجر لديهم. 

أخذتني الحماسة للرد و التعقيب على فجوة كبيرة في فكرة جمعيتهم ، رفعت يدي و بدأت حديثي بقولي أن الجمعية دورها مهم بالطبع و لكن المكان الذي جئت منه و البيئة التي نشأت بها ترتكز و بشكل كبير على القيم الدينية التي تؤكد على أهمية بر و رعاية الوالدين بالكبر ، و أن هذا المعروف الذي لا يمكن أن يوفى هو دين يجب سداده؛ فلذلك أرى أن الجمعية يجب أن تسهم في سد هذه الفجوة و تركز على تقوية الروابط الأسرية لأن هذا هو السبب الأساسي للمشكلة.  

الرد كان بأن المجتمعات تختلف باختلاف الزمان و المكان و محاولة حل هذه المشكلة تحتاج إلى عمل و جهد كبيرين لتغيير مفاهيم و عادات مجتمع بأكمله و لا نملك الوقت أو المادة لمثل هذا العمل .. نحن نعمل ونقدم الرعاية المناسبة لنكون جزء من الحل. 

قلت في نفسي هل سيأتي اليوم الذي نحتاج فيه إلى مثل هذه الجمعيات ؟!..ما أشاهده من تغيرات في نمط و أسلوب حياتنا يسير بنا إلى هذا الإتجاه ، و ما نسمعه من أحداث في مجتمعنا تشيب الولدان من شدة هوله .

 

م. حسام يحيى الصحفي
[ماجستير في التصميم الهندسي من جامعة لافبرا البريطانية]

مقالات سابقة للكاتب

7 تعليق على “كبار السن والعزلة

وليف ابروح

شكرا مهندس حسام مقال رائع جدا
سلمت يمينك
دائما مبدع في مقالاتك

ابوطارق الجحدلي

اﻹبن المهندس حسام الصحفي
مقال جميل ماشاء الله لكن هذه المجتمعات ينقصها الوازع الديني ﻷن ابنائهم غير مكلفين برعايتهم حتى حقوق اﻹنسان التي يرعونها ﻻتكلفهم برعايةوالدينهم واﻷمر هذا عندهم عادي وﻻاحد ينكر عليك ان ترمي والديك في هذه الدور وتهجرهم
لكن في المجتمعات اﻹسﻻميه هناك تكليف رباني وسيحاسبون عليه في الدنيا من اوﻻدهم مثل بالمثل وعقابهم في اﻷخره أشد
شكرآ لك وتقبل تحياتي

منصور الاسمر

اخي المهندس حسام الصحفي
ديننا رد دين وتبادل مسؤوليه، امك تطعمك في صغرك انت تطعم امك في كبرك، تخدمك اختك أنت تخدمها، ديننا يعزز مفهوم العائله وتبادل المساعده لا تقارنا بي الصهوينية الشواذ…لي مجرد انك ابتعثت عندهم هم يدعون الحرية واللعمانية و التعايش, والواقع ابشع من مئة غول يا تجانسون.

اركد

كاتبنا القدير كما عهدناك مميز في طرحك ثري في علمك مشوق في اسلوبك اشاركك المخاوف خاصة ونحن نلمس التغيرات الخطيرة في مفاهيم مجتمعنا تجاه فئة كبار السن ولانتحدث عن الاهمال بل وصل الى مراحل أبعد .

من الاخر ..

منورنا دائما الله يحفظك

ابو محمد

الكاتب ذكر ما شاهده وعايشه في مدرسة ريجينت . و علق البعض بالعنتره القبلية العربية بأن هذا هو حال مجتمعهم و نحن نختلف , نعيش في مجتمعاتنا بألفه و اهتمام بكبار السن .
و أنا سأذكر بأننا لسنا بأفضل حال عنهم .
اذهب إلى قريتك أيام الدوام . ستجدها خاليه فقط كبار السن !!
الأبناء في المدينة يعملون يدرسون إلخ …
متى تتم زيارة الوالدين ؟ آخر الأسبوع ، مره في الشهر ، ربما في العام زيارة أو زيارتين .
ساعة ساعتين وبعدها يرجع الوالدين إلى العزله …
للأسف هذا حالنا وهذي حقيقة مجتمعنا ..

اسامة

مقال في قمة الرقي والفائدة
تسلم يمناك ي مهندس حسام

المسيل

في زمن متسارع الأحداث تتبدل فيه القيم والقناعات وتنكسر فيه ثوابت وتشيد اخرى في كل لحظة نشاهد ونقرأ ماتتناقله مواقع التواصل من عجائب هذا الزمن فأصبح خبر ولد يقتل أمة او ابوه خبر عادي مثل باقي الأخبار لذا نحتاج الى مفكرين ومبدعين يتناولون هذه الأحداث وبحوث ودراسات اجتماعية ونفسية للوقوف ع هذه الظواهر الجديدة لمعرفة اسبابها ودوافعها وطرق معالجتها . تقديرنا وشكرنا للمبدع المفكر م/حسام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *