فاخِر مِنْ الآخر!

نجحت وسائل التواصل الاجتماعي في تحويل الكثير من المشاهير إلى سطحيين متعطشين للتفاعل المادي والمعنوي على حساب القيم والأخلاق.
ولعلَّ ما جعلها تنجح في ذلك، هو أنها تمكنت من التناغم مع دوافع نفسية عميقة مغروسة في عقل الإنسان.
وهذه الدوافع النفسية وجدتْ الفرصة متاحة للتعبير عن نفسها عبر ظهور المشهور/ة ظهورٌ تمُجّه العادات، -وينفر منه الذوق-، ثم الحصول على تفاعل كبير، ثم معاودة ذلك الظهور الممجوج؛ طمعاً في المزيد من التفاعل، وحصْد أكبر عدد من المشاهدات.
وهكذا استطاعت وسائل التواصل الاجتماعي من الدخول إلى عقول الناس، والتحكُّم بها عبر مراوغة عقلية؛ جعلتهم يضعون اهتمامهم يتمحور حول تحقيق أكبر من المشاهدات بدلاً من التركيز على تجويد المحتوى والاهتمام به وتطويره، وجعْله نافعاً ومفيداً للناس.
هم يفعلون كل ذلك؛ سعياً للوصول إلى سعادة غائبة عن حياتهم.
وياليت قومي يعلمون أن السعادة قد تكون وقتية مُزمّنة يزول مفعولها وأثرها بزوال مصدرها الخارجي، وتحتاج باستمرار إلى التعرُّض إلى المصدر والاستزادة منه، فهي تفقد قدرتها وتأثيرها مع الزمن.
وخيرٌ من هذه السعادة ما كانت مُتجدِّدة، وهي التي تدوم فترة أطول، ولا تفقد قدرتها على التأثير مع الزمن، ولا ترتبط بمصدر خارجي، فيمكن تحصيلها من مصادر بسيطة غير مُتكلِّفة.
وهي بهذا التَّعدُّد في المصادر والأنواع والأزمنة تتوافق مع المنظور الإسلامي للسعادة الذي يُشير إلى أهم أدبيات السعادة أنّها داخلية تنبع من داخل الإنسان عبر وعيه العميق وفهمه الشمولي للرضا الذي هو في جوهره مركب مكون من التسليم، والسكينة، والطمأنينة.
 ومع تَدفُّق المقاطع، واستمرار ضخّ المشاهدات؛ يظنُّ الكثير أن هؤلاء المشاهير يعيشون في بهجةٍ عامرة، وسعادة غامرة، ولكن لا يعلمون أنهم حصلوا فقط على النوع الرديء من السعادة الذي يركز على الماديات فقط، بينما الجانب الذي يركز على ماهية الإنسان كإنسان يكون في حالة ضمور،والجانب الروحي يزداد ذبولاً.
لقد غاب عن أبصار هؤلاء، وبصيرتهم نوعٌ فاخر من السعادة يرتكز على التوازن بين النوعين المادي والروحي، مع ارتفاع الجانب القيمي للحياة بكل مكوناتها.
والسعادة الرديئة بهذا التَّصوُّر تجعل صاحبها مًنّهكَاً من مطاردتها؛ لأنها خارجية، وليست متوفرة على الدوام، وبالتالي فهي لا تُهذِّبْ طبعاً، ولا تروي روحاً،ولا تُغذّي نفساً، ولا تمنح قيماً؛ حينها تغدو السعادة مصدراً لعدم السعادة.

سليمان مُسْلِم البلادي
solimanalbiladi@

الحلقات السابقة من روشتة وعي

تعليق واحد على “فاخِر مِنْ الآخر!

الكاتبة والاعلامية/ منيرة محمد

مقالة قيمة جداً…جديرة بالأهتمام ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *